تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والإحياء هذا مستعار لما يشبه إحياء الميت، وهو إعطاء الإنسان ما به كمال الإنسان، فيعم كل ما به ذلك الكمال من إنارة العقول بالاعتقاد الصحيح والخلق الكريم، والدلالة على الأعمال الصالحة وإصلاح الفرد والمجتمع، وما يتقوم به ذلك من الخلال الشريفة العظيمة، فالشجاعة حياة للنفس، والاستقلال حياة، والحرية حياة، واستقامة أحوال العيش حياة.

ولما كان دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم لا يخلوا عن إفادة شيء من معاني هذه الحياة أمر الله الأمة بالاستجابة له، فالآية تقتضي الأمر بالامتثال لما يدعو إليه الرسول سواء دعا حقيقة بطلب القدوم، أم طلب عملا من الأعمال، فلذلك لم يكن قيد لما يحييكم مقصودا لتقييد الدعوة ببعض الأحوال بل هو قيد كاشف، فان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يدعوهم إلا وفي حضورهم لديه حياة لهم، ويكشف عن هذا المعنى في قيد " لما يحييكم" ما رواه أهل الصحيح عن أبي سعيد بن المعلى، قال كنت أصلي في المسجد فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أجبه ثم أتيته فقلت يا رسول الله إني كنت أصلي فقال: ألم يقل الله تعالى " يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم" ثم قال: إلا أعلمك صورة الحديث في فضل فاتحة الكتاب، فوقفه على قوله " إذا دعاكم" يدل على أن "لما يحييكم" قيد كاشف وفي جامع الترمذي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أبي بن كعب فقال: يا أبي وهو يصلي فالتفت أبي ولم يجبه وصلى أبي فخفف ثم انصرف إلى رسول الله فقال: السلام عليك يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وعليك السلام ما منعك يا أبي أن تجيبني إذ دعوتك فقال: يا رسول الله إني كنت في الصلاة فقال: أفلم تجد فيما أوحي إلي أن استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم قال بلى ولا أعود إن شاء الله الحديث بمثل حديث أبي سعيد بن المعلى قال ابن عطية: وهو مروي أيضا من طريق مالك بن انس (يريد حديث أبي بن كعب وهو عند مالك حضر منه عند الترمذي) قال ابن عطية وروي أنه وقع نحوه مع حذيفة بن اليمان في غزوة الخندق، فتكون عدة قضايا متماثلة ولا شك أن القصد منها التنبيه على هذه الخصوصية لدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم.

(واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون [24])

مقتضى ارتباط نظم الكلام يوجب أن يكون مضمون هذه الجملة مرتبطا بمضمون الجملة التي قبلها فيكون عطفها عليها عطف التكملة على ما تكمله، والجملتان مجعولتان آية واحدة في المصحف.

وافتتحت الجملة باعلموا للاهتمام بما تتضمنه وحث المخاطبين على التأمل فيما بعده، وذلك من أساليب الكلام البليغ أن يفتتح بعض الجمل المشتملة على خبر أو طلب فهم بأعلم أو تعلم لفتا لذهن المخاطب.

وفيه تعريض غالبا بغفلة المخاطب عن أمر مهم فمن المعروف أن المخبر أو الطالب ما يريد إلا علم المخاطب فالتصريح بالفعل الدال على طلب العلم مقصود للاهتمام، قال تعالى " اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم" وقال (اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو) الآية وقال في الآية بعد هذه ' واعلموا أن الله شديد العقاب" وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي مسعود الأنصاري وقد رآه يضرب عبدا له اعلم أبا مسعود اعلم أبا مسعود: أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام وقد يفتتحون بتعلم أو تعلمن قال زهير.

قلت تعلم أن للصيد غرة وإلا تضيعها فإنك قاتله

وقال زياد بن سيار

تعلم شفاء النفس قهر عدوها فبالغ بلطف في التحيل والمكر

وقال بشر بن أبي خازم

وإلا فاعلموا أنا وأنتم بغاة ما بقينا في شقاق

و" أن" بعد هذا الفعل مفتوحة الهمزة حيثما وقعت، والمصدر المؤول يسد مسد مفعولي علم مع إفادة أن التأكيد.

والحول، ويقال الحؤل: منع شيء اتصالا بين شيئين أو أشياء قال تعالى (وحال بينهما الموج).

وإسناد الحول إلى الله مجاز عقلي لأن الله منزه عن المكان، والمعنى يحول شأن من شؤون صفاته، وهو تعلق صفة العلم بالاطلاع على ما يضمره المرء أو تعلق صفة القدرة بتنفيذ ما عزم عليه المرء أو بصرفه عن فعله، وليس المراد بالقلب هنا البضعة الصنوبرية المستقرة في باطن الصدر، وهي الآلة التي تدفع الدم إلى عروق الجسم، بل المراد عقل المرء وعزمه، وهو إطلاق شائع في العربية.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير