فلما كان مضمون هذه الجملة تكملة لمضمون الجملة التي قبلها يجوز أن يكون المعنى: واعلموا أن علم الله يخلص بين المرء وعقله خلوص الحائل بين شيئين فانه يكون شديد الاتصال بكليهما.
والمراد بالمرء عمله وتصرفاته الجسمانية.
فالمعنى أن الله يعلم عزم المرء ونيته قبل أن تنفعل بعزمه جوارحه، فشبه علم الله بذلك بالحائل بين شيئين في كونه أشد اتصالا بالمحول عنه من أقرب الأشياء إليه على نحو قوله تعالى " ونحن أقرب إليه من حبل الوريد".
وجيء بصيغة المضارع" يحول" للدلالة على أن ذلك يتجدد ويستمر، وهذا في معنى قوله تعالى" ونحن أقرب إليه من حبل الوريد" قاله قتادة.
والمقصود من هذا تحذير المؤمنين من كل خاطر يخطر في النفوس: من التراخي في الاستجابة إلى دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم، والتنصل منها، أو التستر في مخالفته، وهو معنى قوله " واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه".
وبهذا يظهر وقع قوله" وأنه إليه تحشرون" عقبه فكان ما قبله تحذيرا وكان هو تهديدا. وفي الكشاف، وابن عطية: قيل إن المراد الحث على المبادرة بالامتثال وعدم إرجاء ذلك إلى وقت آخر خشية أن تعترض المرء موانع من تنفيذ عزمه على الطاعة أي فيكون الكلام على حذف مضاف تقديره: أن أجل الله يحول بين المرء وقلبه، أي بين عمله وعزمه قال تعالى " وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت" الآية.
وهنالك أقوال أخرى للمفسرين يحتملها اللفظ ولا يساعد عليها ارتباط الكلام والذي حملنا على تفسير الآية بهذا دون ما عداه أن ليس في جملة) أن الله يحول بين المرء وقلبه (إلا تعلق شأن من شؤون الله بالمرء وقلبه أي جثمانه وعقله دون شيء آخر خارج عنهما، مثل دعوة الإيمان ودعوة الكفر، وأن كلمة "بين" تقتضي شيئين فما يكون تحول إلا إلى أحدهما لا إلى أمر آخر خارج عنهما كالطبائع، فان ذلك تحويل وليس حؤلا.
وجملة" وأنه إليه تحشرون" عطف على" أن الله يحول بين المرء وقلبه" والضمير الواقع اسم أن ضمير اسم الجلالة، وليس ضمير الشأن لعدم مناسبته، ولإجراء أسلوب الكلام على أسلوب قوله" أن الله يحول" الخ.
وتقديم متعلق " تحشرون" عليه لإفادة الاختصاص أي: إليه إلى غيره تحشرون وهذا الاختصاص للكناية عن انعدام ملجإ أو مخبإ تلتجئون إليه من الحشر إلى الله فكني عن انتفاء المكان بانتفاء محشور إليه غير الله بأبدع أسلوب، وليس الاختصاص لرد اعتقاد، لأن المخاطبين بذلك هم المؤمنون، فلا مقتضى لقصر الحشر على الكون إلى الله بالنسبة إليهم.
[ line]
لا أشك أن في كلام الشيخ ابن عاشور إعادة لبعض ما جاء في ما نقله الاخوين جمال و عماد - أثابهم الله و أجزل لهم العطاء - و لكن لم أشأ أن أقتطع مثل ذلك الكلام حتى لا أخل بتفسيره و حتى يكون كلامه مسترسلا و متناسقا.
و الله اعلم.
اللهم فقهنا في الدين و علمنا التأويل.
ـ[زينب]ــــــــ[18 Nov 2004, 10:42 ص]ـ
اشكر ابو زينب للمشاركه لكن اسئل منك ابو زينب
كلنا ندري النسان قبل ان يفعل شي اللهجل جلاله يعلم ماذا يريد العبد ان يفعل كلام جمال حسني وعماد ايضا علي عين والراس لكن
كلام الجميع ينختم الي شي واحد الي الجبر وانا اعلم بان انتم ليس كدلك زمخشري وابو عاشور ايضا لهم تفسير لكن ما يفهم منه لا له علاقه بالقسم الاول
ـ[أبو زينب]ــــــــ[18 Nov 2004, 10:00 م]ـ
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
ألف الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي - حفظه الله - كتابا سماه " الإنسان مسير أم مخير؟ " وهو " دراسة علمية شاملة لمسألة التسيير و التخيير و القضاء و القدر وما يتعلق بها من ذيول و مشكلات " .. قد أتى في كتابه على الآية منن سورة الأنفال.
سوف أنقل لكم بعض الفقرات التي بين فيها معنى الشق الثاني من الآية و هو قوله تعالى " و اعلموا أن الله يحول بين المرء و قلبه "
ففي حديثه عن معنى آية المدثر " و ما يذكرون إلا أن يشاء الله " يقول:
¥