تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

هذا كله أن أكثر ما روي في التفسير المأثور حجاب على القرآن وشاغل لتاليه عن مقاصده العالية المزكية للأنفس المنورة للعقول، فالمفضلون للتفسير المأثور لهم شغل عن مقاصد القرآن بكثرة الروايات التي لا قيمة لها سنداً ولا موضوعاً» (3).

بقيت قضية أخرى هي الآراء التفسيرية، فما هو الموقف منها؟ يجمل الإمام رأيه في مسألة مهمة ولكن بوضوح شديد حول النص وفهمه، فهو يعتقد بكل وضوح بخلود النص وتاريخية الفهم، فالقرآن الكريم خاطب الله به من كان في زمن التنزيل لا لخصوصية في أشخاصهم، بل لأنهم من أفراد النوع الإنساني، فالنص القرآني مستعلٍ على كل زمان ومكان، أما أفهام الناس للمراد من آياته فليس فيها حجة على أحد، بل التكليف الواقع على كل مسلم عالماً كان أو جاهلاً أن يتوجه إلى القرآن بعقله وقلبه متأملاً متدبراً كلٌ بحسب طاقته، وللإمام رأي فريد في حكم التقليد مبثوث في ثنايا تفسيره (4)، وينبني على ذلك أن يَعبُر المفسر أربعة عشر قرناً من التراث التفسيري مستفيداً منه غير متقيد ولا متأثر، ليصل إلى النص القرآني مباشرة فيتعامل معه تعامل المجتهد، وليس هذا بالأمر السهل، وقد كان الإمام مستشعراً هذا، يقول «التكلم في تفسير القرآن ليس بالأمر السهل، وربما كان من أصعب الأمور وأهمها، وما كل صعب يترك، ولذلك لا ينبغي أن يمتنع الناس عن طلبه» (5)، وكأني بالإمام بين خيارين اثنين:

الأول: أن يتعامل مع آراء المفسرين لأنهم أقرب إلى عصر التنزيل، وأعلم باللغة وأساليبها، ولكنهم أبناء عصرهم، فصلة أقوالهم بعصرنا معدومة.

الثاني: أن يتعامل مع النص مباشرة، وهو أقل من سلفه علماً، ولكنه أعلم بظروف عصره وحاجات وقته.

إن الخطأ الناتج ممن جمع بين العلم النظري والواقعي وإن قل حظه في الأول أهون من الخطأ الناتج من عالم نحرير أفتى لزمانه فاستدعيناه لعصرنا، فلا بد إذن من العمل بنظرية (العبور إلى النص)، ولعلّ هذا هو السبب الرئيس في كثير مما يؤخذ على الإمام من خطأ وزلل، وإني لا أتجاهل أخطاءه ولا أبالغ في الاعتذار له، ولكنه يمثل الخطوة الأولى لهذه المنهجية في عصرنا الحاضر، لذلك رأينا في منهجية تلميذه رشيد رضا تغييرا كثيراً للمنهج، ولو أن الأمر استمر في تفاعله الزمني وتدافعه الفكري لاستوى الأمر على سوقه وآتى أكله، فممّا يميز مدرسة المنار التفسيرية سعة الأفق والقدرة على البحث الحر وتبني أيّ من الآراء بغض النظر عن مصدرها التاريخي، لذلك شهدنا التغير في الرؤية والفتوى والممارسة من جمال الدين الأفغاني إلى محمد عبده إلى رشيد رضا إلى بقية رجالات المنار أمثال المراغي الكبير والمراغي الصغير ومحمود شلتوت، رحمهم الله جميعاً.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير