[علم السياق القرآني [5] (أنواع السياق القرآني)]
ـ[محمد الربيعة]ــــــــ[18 Feb 2007, 08:50 ص]ـ
السياق القرآني يختلف عن أي سياق آخر، وذلك أنه مكون من أربعة دوائر من السياق بعضها داخل في بعض ومبني عليه. وهذا من أعظم ما يتميز به القرآن العظيم، بل هو من مظاهر إعجازه وبلاغته. وذلك أنه ينقسم إلى أربعة أنواع:
النوع الأول: سياق القرآن.
النوع الثاني: سياق السورة.
النوع الثالث: سياق النص أو المقطع أو الآيات.
النوع الرابع: سياق الآية.
وهذه الأنواع الأربعة مؤتلفة ائتلافاً عجيباً فلا تجد بينها تعارضاً، بل إنها متكاملة تكاملاً، ينتج عنه معاني متعددة وأغراض متنوعة، وهذا والله أعلم سر كون القرآن محتملا للوجوه الكثيرة والمعاني المتعددة، كما قال أبو الدرداء رضي الله عنه: (إنك لن تفقه كل الفقه حتى ترى للقرآن وجوهاً كثيرة) ([1]).
وقد حقق هذا التنوع في سياق القرآن صاحب كتاب (دلالة السياق منهج مأمون لتفسير القرآن الكريم) فقال":السياق قد يضاف إلى مجموعة من الآيات التي تدور حول غرض أساسي واحد، كما أنه قد يقتصر على آية واحدة، ويضاف إليها، وقد يكون له امتداد في السورة كلها، بعد أن يمتد إلى ما يسبقه ويلحقه، وقد يطلق على القرآن بأجمعه، ويضاف إليه، بمعنى أن هناك: سياق آية، وسياق النص، وسياق السورة، والسياق القرآني، فهذه دوائر متداخلة متكافلة حول إيضاح المعنى" ([2]).
وسنقف مع كل نوع لتحرير المراد منه بإجمال:
أولاَ: سياق القرآن
المراد بهذا النوع من السياق القرآني، مقاصد القرآن الأساسية، والمعاني الكلية التي تسمى بالكليات في القرآن، والأساليب المطردة في القرآن التي تسمى بعادة القرآن. وعلى هذا فيمكن تقسيم هذا النوع إلى وجوه:
الوجه الأول: مقاصد القرآن العظمى.
القرآن مبني على أغراض ومقاصد أساسية، وهذه الأغراض والمقاصد معتبرة في تفسير كلام الله تعالى كله، بل يجب الاعتماد عليها في كل سورة وآية منه حسب ما يقتضي المقام فيها.
ومقاصد القرآن ظاهرة فيه، وقد أجمل ابن عاشور مقاصد القرآن كلها في ثمانية مقاصد: الأول: إصلاح الاعتقاد، الثاني: تهذيب الأخلاق، الثالث: بيان التشريع، الرابع: سياسة الأمة وصلاحها وحفظ نظامها، الخامس: القصص وأخبار الأمم السالفة للتأسي بصالح أحوالهم، السادس: التعليم بما يناسب حاله عصر المخاطبين، وما يؤهلهم إلى تلقي الشريعة ونشرها، السابع: المواعظ والإنذار والتحذير والتبشير، الثامن: الإعجاز بالقرآن ليكون آية دالة على صدق الرسول ([3]).
ودليل اعتبار مقاصد القرآن كله ما جاء في السنة من اعتبار سورة الفاتحة أعظم سورة في كتاب الله، واعتبار سورة البقرة سنام القرآن، وسورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن، وهذا إنما يكون بالنظر لمعاني هذه السور بالنسبة لمعاني القرآن كله.
الوجه الثاني: المعاني الكلية.
والمقصود بالمعاني الكلية هو ما يرد في القرآن من الألفاظ التي يطرد أو يغلب معناها في جميع القرآن، فيستعملها القرآن بمعنى واحد غالباً، وهذا ما يسمى بكليات القرآن.
قال شيخ الإسلام: "إذا كان في وجوب شيء نزاع بين العلماء، ولفظ الشارع قد اطرد في معنى، لم يجز أن ينقض الأصل المعروف من كلام الله تعالى ورسوله بقول فيه نزاع" ([4]).
ومن أمثلة ذلك ماذكره الشنقيطي في معنى الغلبة قال: "والغالب في القرآن هو استعمال الغلبة بالسيف والسنان" ([5]).
الوجه الثالث: الأساليب المطردة:
والمقصود بالأساليب المطرده هو مايستعمله القرآن من الأساليب، ويطرد في القرآن كله، وهذا مايسمى بعادة القرآن.
ومن أمثلة ذلك: ماذكره الشنقيطي قال: "كل الأسئلة المتعلقة بتوحيد الربوبية استفهامات تقرير، يراد منها أنهم إذا أقروا رتب لهم التوبيخ والإنكار على ذلك الإقرار؛ لأن المقر بالربوبية يلزمه الإقرار بالألوهية ضرورة، نحو قوله تعالى: +أفي اللهِ شكٌ" [إبراهيم 10]، وقوله تعالى: +قُل أَغيِرِ اللهَ أبغي رَباً" [الأنعام 164] " ([6]).
ثانياَ: سياق السورة:
من أعظم دلائل الإعجاز في هذا القرآن العظيم، أنه بني على سور متفرقة لكنها منتظمة في بناء واحد محكم، وكل سورة منها وحدة متكاملة متناسقة، يجمعها غرض واحد يسمى بوحدة السورة أو سياقها.
¥