[موقف القرآن من العبث البشري بالبيئة]
ـ[محمد كالو]ــــــــ[31 Jan 2007, 07:23 ص]ـ
حرص الإسلام على حماية العناصر الأساسية في البيئة: الأرض والماء والهواء، وذلك لخير الإنسان وحماية نفسه وتأمين ضروراته وحاجاته، لأنه محور البيئة ولب قضاياها، وللمحافظة على جمال هذه الطبيعة، التي جعلها الله تعالى آية يستدل بها على وجود الله تبارك وتعالى وقدرته وتدبيره وبيان نعمته.
بدأ الإنسان حياته على الأرض يحمي نفسه من عوامل الطبيعة، وانتهى به الأمر بأن يحمي الطبيعة من نفسه، والإنسان هو الذي دفع أثمن ما لديه ضريبة للتقدم الصناعي، فاعتلت صحته وعانى من أمراض عديدة بسبب تلوث الماء الذي يشربه، والغذاء الذي يقتات به، والهواء الذي يتنشقه.
ففي كل يوم تلقي آلاف المداخن والمصانع ومحطات توليد الطاقة الكهربائية بآلاف الأطنان من الغازات والغبار والمخلفات والنفايات، والتي تلوث الماء والهواء والغذاء والتربة عن طريق إفسادها للخواص الطبيعية والكيميائية لعناصر البيئة، وقد تزايد الاهتمام الدولي بالقضايا البيئية، خصوصاً بعد أن أعلنت منظمة الصحة العالمية أن 90% من الأمراض الخبيثة ترجع إلى عوامل بيئية نتيجة لنشاطات الإنسان.
كيف ينظر الإسلام إلى البيئة:
تقوم نظرة الإسلام للبيئة على الحماية ومنع الإفساد بغية المحافظة على الموارد الطبيعية وتعميرها، ويتجلى في فكرة إحياء الموات وعمارة الأرض بالزراعة والغرس والبناء، قال الله تعالى: ? هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها ? ().
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله ?: ((ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة)) ().
ولعل أروع تشبيه لرسول الله ? لحماية البيئة من العبث والإفساد، ما رواه البخاري عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي ? قال: ((مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً)) ().
وأدل آية في القرآن الكريم على تلوث البيئة وأسبابها ونتائجها، هي قول الله تبارك وتعالى: ? ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ? ()
عبارة (ظهر الفساد) تتضمن كل المعاني المادية والمعنوية التي تنتج عن سلوك الإنسان التخريبي في الطبيعة والمجتمع، والتلوث بمعناه الواسع أقرب إلى مفهوم الفساد، وقد تقدم لفظ البر على البحر تأكيداً لحقيقة موضوعية وهي: أن نشاط الإنسان بدأ في البر أولاً ثم امتدَّ إلى البحر.
(بما كسبت أيدي الناس) أي بالذي جمعته أيدي الناس وعملته نتيجة سعيها للكسب الجشع، فالمصانع والمعامل ومحطات الطاقة الذرية ووسائط النقل الجوية والبرية والبحرية، وطرائق استثمار الخيرات في البر والبحر كالزراعة والصيد والتعدين والإنشاء والتعمير كلها وسائل وسبل للكسب، وهذه السبل أصبحت مصدراً لتلوث البيئة من الماء والهواء والتراب.
(ليذيقهم بعض الذي عملوا) أفضل كلمة تعبر عن هذه المعاني المختلفة هي " ليذيقهم " عمل الإنسان الأسمدة والمبيدات الكيميائية وذاق التسمم من بعضها، وعمل الأشعة ليستخدمها لصالحه فدفع ثمن ذلك جزءاً من صحته، وعمل وسائط النقل لتريحه في الانتقال، ولكن تشهد الطرقات مئات الكوارث والمجازر من حوادث السير، ولولا هذا الذي يذوقه الإنسان من بعض ما عملته يداه، لما تنبه إلى خطورة ما يقدم عليه من تخريب للأنظمة البيئية، فبدأ يدق ناقوس الخطر لحماية البيئة ().
ومن الآيات التي تنوه إلى تلوث البيئة قول الله تعالى:
¥