تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[الاستفادة من التفسير الإشاري في تدبر القرآن]

ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[02 Mar 2007, 04:22 م]ـ

(الحلقة الأولى)

هناك بعض المصطلحات العلمية صارت تحمل ظِلالاً خاصَّة، سرعان ما ينقدح في الذهن الجانب السلبي لاستخدام هذا المصطلح، ومن هذه المصطلحات التي يقع فيها ذلك مصطلح (التفسير الإشاري)، والتفسير الإشاري لم يلق ـ حسب علمي ـ دراسة تأصيلية تطبيقية من خلال كتب التفسير المعتادة، وكتب التفسير الإشاري.

حقيقة التفسير الإشاري:

من الأمور المستحسنة في العلوم؛ معرفة (المبادئ) من جهتين:

الأولى: الاستخدام التطبيقي للأفكار.

الثانية: ظهور المصطلح بخصوصيته المتعلقة بتلك التطبيقات.

وكثيرًا ما تأتي المصطلحات متأخرة عن التطبيقات، ومن أشهر الأمثلة التطبيقة عند السلف؛ ما ورد من تفسير عمر وابن عباس ـ رضي الله عنهم ـ لسورة النصر، فقد أورد البخاري بسنده عن ابن عباس قال: (كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر، فقال بعضهم: لِمَ تُدخل هذا الفتى معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال: إنه ممن قد علمتم.

قال: فدعاهم ذات يوم ودعاني معهم، قال: وما رأيته دعاني يومئذ إلا ليريهم مني، فقال: ما تقولون في {إذا جاء نصر الله والفتح. ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا}؟ حتى ختم السورة.

فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا.

وقال بعضهم: لا ندري، أو لم يقل بعضهم شيئا.

فقال لي: يا ابن عباس، أكذلك قولك؟ قلت: لا.

قال: فما تقول؟ قلت: هو أجل رسول الله صلى الله عليه و سلم أعلمه الله له {إذا جاء نصر الله والفتح} فتح مكة، فذاك علامة أجلك {فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا}. قال عمر: ما أعلم منها إلا ما تعلم).

قال ابن حجر في شرحه لهذا الحديث: (وَفِيهِ جَوَاز تَأْوِيل الْقُرْآن بِمَا يُفْهَم مِنْ الإِشَارَات، وَإِنَّمَا يَتَمَكَّن مِنْ ذَلِكَ مَنْ رَسَخَتْ قَدَمه فِي الْعِلْم، وَلِهَذَا قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ: أَوْ فَهْمًا يُؤْتِيه اللَّهُ رَجُلاً فِي الْقُرْآن).

وهذا المثال من جنس ما نحن فيه، فظاهر الآيات على حسب ما فهم بعض البدريين الذين سألهم عمر رضي الله عنهم، ولكن في الآيات إشارة واضحة إلى أمر آخر، وهو التنبيه على قرب أجل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

ويظهر أن عمر وابن عباس رضي الله عنهم آخذا ذلك من النظر في عموم الشريعة، حيث يرد الأمر بالاستغفار في نهايات الأعمال، ولما طُلِب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يستغفر؛ أشعر ذلك بانتهاء عمله (وهو مهمة النبوة)، وقرب أجله.

ولقد تأملت أنواع الأمثلة في التفسير الإشاري فوجدت أغلبها يدخل في باب الاستنباط؛ لأن الغالب على هذه أنها لو فُقِدت لم يتأثر ظاهر القرآن، والتفسير إنما يتعلق بظاهر القرآن، وليس بما فيه من دلالات على غير الظاهر.

ولابدَّ من الإشارة إلى أمر مهم في هذا الجانب، وهو بيان الفرق بين التفسير وهذه الإشارات وغيرها من الاستنباطات، فأقول:

أولاً: أن من ضوابط التفسير المهمة (بيان المعنى)، فإذا بان المعنى، وتمَّ، فقد انتهى التفسير، وما وراء ذلك فإنه ـ في الغالب ـ لا يخرج أن يكون من علوم القرآن التي ترتبط بالآية، أو من الاستنباطات بأنواعها المتعددة.

ثانيًا: أن التفسير يتعلق بظاهر النصِّ، وما خرج عن ظاهره، فهو من باب الاستنباط، سواءً أكان اعتبارًا أو إشارة أو قياسًا أو مفهوم مخالفة أو غير ذلك.

ثالثًا: وأن من ضوابط التفسير ـ أيضًا ـ تناسقه مع السياق، وكل معنى صحيح أُلحِق بالآية، وهو لا ينتظم مع سياق الآية، وله وجه ارتباط بها، فإنه لا يدخل في باب التفسير، وإنما يكون من باب الاستنباط.

وسأضرب لك مثلين يُبِينَانِ عن ذلك:

المثل الأول: روى الطبري بسنده عن أَبي أمامة في قوله: (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ) قال: ((هم الخوارج)).

وسياق الآية كما ـ لا يخفى ـ في اليهود، قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير