[الكبائر والصغائر]
ـ[محمد بن إبراهيم الحمد]ــــــــ[12 Mar 2007, 05:18 م]ـ
مصطلح الكبائر والصغائر يرد في كتب العقائد، وذلك إذا تحدثوا عن الذنوب، وتقسيمها، وحكم مرتكب الكبيرة في الدنيا والآخرة، وهكذا ...
وفيما يلي نبذة عن تقسيم الذنوب إلى صغائر وكبائر، والأدلة على ذلك، مع بيان ماهية الصغائر والكبائر سواء عند من حصروا الكبائر بعدد أو حدوها بحد، ثم ينتقل الحديث إلى مسألة تكفير الكبائر بالأعمال الصالحة، وهل هذا ممكن أو أنه لا بد من التوبة؛ فإلى التفصيل في ذلك الشأن:
أولاً: تقسيم الذنوب: الذنوب تنقسم إلى صغائر وكبائر، قال الغزالي -رحمه الله-: (اعلم أن الذنوب تنقسم إلى صغائر وكبائر، وقد كثر اختلاف الناس فيها؛ فقال قائلون: لا صغيرة ولا كبيرة، بل كل مخالفة لله فهي كبيرة.
وهذا ضعيف؛ إذ قال - تعالى -: [إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً] (النساء:31) وقال - تعالى -: [الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ] (النجم:32).
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة يكفرن ما بينهن إن اجتنبت الكبائر) وفي لفظ آخر: (كفارات لما بينهن إلا الكبائر) [1].
وقد قال -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه عبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -: (الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس) [2] [3].
وقال ابن القيم -رحمه الله-: (وقد دل القرآن والسنة وإجماع الصحابة والتابعين بعدهم والأئمة على أن من الذنوب كبائرَ وصغائر) [4].
وقال -رحمه الله-: (والذين لم يقسموها إلى كبائر وصغائر قالوا: الذنوب كلها -بالنسبة إلى الجراءة على الله سبحانه ومعصيته ومخالفة أمره- كبائر؛ فالنظر إلى من عُصي أمرُه، وانتُهك محارمه يوجب أن تكون الذنوب كلها كبائر، وهي مستوية في هذه المفسدة) [5].
وقال -بعد أن ساق بعض ما أورده مَنْ قال: إن الذنوب كلها كبائر-: (فالشرك أظلم الظلم، والتوحيد أعدل العدل؛ فما كان أشدَّ منافاة لهذا المقصود فهو أكبر الكبائر، وتفاوتها في درجاتها بحسب منافاتها له، وما كان أشدَّ موافقة لهذا المقصود فهو أوجب الواجبات، وأفرض الطاعات؛ فتأمل هذا الأصل حق التأمل، واعتبر تفاصيله تعرف به حكمة أحكم الحاكمين، وأعلم العالمين فيما فرضه على عباده، وحرمه عليهم، وتفاوتَ مراتب الطاعات والمعاصي) [6].
ثانياً: ما هية الصغائر والكبائر عند من حصروها بعدد: اخْتُلِفَ في تحديد الكبائر وحصرها؛ فقيل في ذلك أقوال منها [7]:
1 - قال عبدالله بن مسعود-رضي الله عنه-: هي أربع.
2 - وقال عبدالله بن عمر- رضي الله عنهما -: هي سبع.
3 - وقال عبدالله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-: هي تسع.
4 - وكان ابن عباس - رضي الله عنهما - إذا بلغه قول ابن عمر: الكبائر سبع يقول: هن إلى سبعين أقرب منها إلى سبع.
5 - وقال آخر: هي إحدى عشرة.
6 - وقال أبو طالب المكي: جمعتها من أقوال الصحابة فوجدتها أربعة في القلب وهي: الإشراك بالله، والإصرار على المعصية، والقنوط من رحمة الله، والأمن من مكر الله.
وأربعة في اللسان، وهي: شهادة الزور، وقذف المحصنات، واليمين الغموس، والسحر [8].
وثلاثة في البطن: شرب الخمر، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا.
واثنين في الفرج: الزنا، واللواط.
واثنين في اليدين وهما القتل والسرقة.
وواحداً في الرجلين وهو الفرار من الزحف.
وواحداً يتعلق بجميع الجسد وهو عقوق الوالدين.
هذه أقوال الذين حصروها بعدد.
ثالثاً: ماهية الكبائر والصغائر عند من حدوها بحد، ولم يحصروها بعدد: وأما الذين لم يحصروا الكبائر بعدد، وإنما حدوها بحد فقد اختلفوا في ذلك على أقوال منها:
1 - ما اقترن بالنهي عنه وعيد من لعن، أو غضب، أو عقوبة - فهو كبيرة، وما لم يقترن به شيء فهو صغيرة.
2 - وقيل: كل ما ترتب عليه حد في الدنيا، أو وعيد في الآخرة - فهو كبيرة، وما لم يرتب عليه لا هذا ولا هذا فهو صغيرة [9].
3 - وقيل: كل ما اتفقت الشرائع على تحريمه فهو من الكبائر، وما كان تحريمه في شريعة دون شريعة فهو صغيرة.
4 - وقيل: كل ما لعن الله ورسوله فاعله فهو كبيرة.
¥