تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[أخلاق المصلحين في القرآن الكريم .. وقفة تأمل واقتداء ...]

ـ[فهد الوهبي]ــــــــ[06 Mar 2007, 02:33 م]ـ

الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى وآله وصحبه أجمعين، وبعد ..

فإن الدعاة والمصلحين هم الأولى باتباع منهج القرآن الكريم ولقد كان الغرض الأكبر للقرآن العظيم هو إصلاح الأمة بأسرها. فإصلاح كفارها بدعوتهم إلى الإيمان ونبذ العبادة الضالة واتباع الإيمان والإسلام، وإصلاح المؤمنين بتقويم أخلاقهم وتثبيتهم على هداهم وإرشادهم إلى طريق النجاح وتزكية نفوسهم (1).

ولقد سجل القرآن العظيم في ذلك أعظم المناهج وأعدلها، وأصلحها لكل زمان ومكان، فقد انتهج نهجاً ربانياً في إصلاحه، وسلك سياسة حكيمة وصل بها من مكان قريب إلى ما أراد من هداية الخلق، واتخذ جميع الوسائل المؤدية إلى نجاة هذا الإصلاح الوافي بكل ما يحتاج إليه البشر (2).

والإصلاح هو دعوة الرسل وجميعهم بُعثوا بالإصلاح والصلاح، ونهوا عن الشرور والفساد، فكل صلاح وإصلاح ديني ودنيوي فهو من دين الأنبياء قال شعيب عليه الصلاة والسلام: (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه ينيب) [هود: 88] (3).

قال ابن سعدي: " وظيفة الرسل وسنتهم وملتهم إرادة الإصلاح بحسب القدرة والإمكان فيأتون بتحصيل المصالح وتكميلها أو بتحصيل ما يقدر عليه منها وبدفع المفاسد وتقليلها ويراعون المصالح العامة على المصالح الخاصة، وحقيقة المصلحة هي التي تصلح بها أحوال العباد وتستقيم بها أمورهم الدينية والدنيوية، ... فعلى العبد أن يقيم من الإصلاح في نفسه وفي غيره ما يقدر عليه " (4).

وهذا المنهج القرآني في الإصلاح معجزٌ من جهات كثيرة لا يمكن إحصائها: معجزٌ في خصائصه، ومعجزٌ في الجوانب التي اعتنى بها، ومعجزٌ في أولويات هذا الإصلاح، ومعجزٌ في تنوع الأساليب التي اتبعها، ومعجزٌ في صفات المصلحين الذين حملوا هذا المنهج، وكل واحد مما سبق باب عظيم للتأمل والتدبر والإقرار بعظمة هذا الكتاب المبارك.

وسوف أذكر نتفاً في أخلاق وصفات المصلحين في القرآن ليكون ذلك قدوة لكل مصلح ومعلم ومربي، اسأل الله التيسير والسداد ..

لقد أمر الله تعالى نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم وهو أعظم المصلحين باتباع منهجهم فقال تعالى: (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده قل لا أسألكم عليه أجراً إن هو إلا ذكرى للعالمين) [الأنعام: 90] وقال تعالى: (قل ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلاً) [الفرقان: 57] وقال: (قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين) [ص: 86] وقال: (ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ومن يقترب حسنة نزد له فيها حسناً إن الله غفور شكور) [الشورى: 23].

وإن المتأمل في صفات من قاموا بمنهج الإصلاح القرآني وسيرتهم وأخلاقهم؛ يعلم يقيناً ذلك الإعجاز الذي صاحب تطبيق هذا المنهج على أيدي المصلحين من الأنبياء الكرام عليهم الصلاة والسلام، ولا يمكن أن تجتمع تلك الصفات في أصحاب منهج أرضي أو بشري، مما يدل دلالة يقينية على إلهية ذلك المنهج وربانيته:

بعدهم عن التعلق بالدنيا وعن المن على المدعوين:

لم يكن رسل الله عليهم الصلاة والسلام طُلاَّب دنيا، ولا أهل منٍّ أو استكبار حاشاهم، لقد ردَّدَ كثير من الأنبياء عليهم السلام قوله: (وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين) [الشعراء: 109، 127، 145، 164، 180] (ويا قوم لا أسألكم عليه مالاً إن أجري إلا على الله) [هود: 29] وقال تعالى: (يا قوم لا أسألكم عليه أجراً إن أجري إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون) [هود: 51].

وهذه نغمة نسمعها من جميع الرسل، وهي جديرة بالعناية، ومقياس صدق الداعي، وبرهان أن دعوته تتصل بالقلب والوجدان، وحسبك أن الله يقول: (وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين، اتبعوا من لا يسألكم أجراً وهم مهتدون) [يس: 20ـ21].

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير