تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[علم السياق القرآني (3) (أهمية السياق القرآني ومنزلته في التفسير.)]

ـ[محمد الربيعة]ــــــــ[03 Feb 2007, 09:23 ص]ـ

السياق القرآني أصل من أصول علم التفسير، لا غنى للمفسر عنه، لما له من أثر ظاهر في فهم كلام الله تعالى، وبيان المعنى الصحيح في الآية.

وتظهر أهمية السياق في أمور:

أولاً: أن السياق من تفسير القرآن بالقرآن.

السياق مرتبط حقيقة بالقرآن نفسه من حيث إنه تفسير للقرآن بالقرآن بل هو أعلى درجات تفسير القرآن بالقرآن إذا كان صريحاً؛ لأنه تفسير الآية بما تضمنته من الدلائل والقرائن وبحسب مناسبتها لما قبلها وبعدها هو السياق، وذلك يؤكد أهميته، واعتباره أصلاً في التفسير.

قال صاحب قواعد الترجيح عند المفسرين في تحريره لمفهوم مصطلح القرآن بالقرآن": وبعد طول تأمل في هذا المصطلح ظهر لي - والله أعلم - أنه ينقسم إلى قسمين؛ أحدهما توقيفي: وهو أن يكون في الكلام لبس وخفاء فيأتي بما يزيله ويفسره، إما بعده مباشرة أو في موضع آخر وارد مورد البيان له، ومن أمثلته تفسير الهلوع في قوله تعالى: +إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً" بقوله بعده +إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً* وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً" [المعارج 19 - 21] .... فهذا القسم ولا شك أنه أبلغ أنواع التفسير، ولا قول لأحد معه، ومثله لا يتخلف فيه، وهو الذي يصنّف من التفسير بالمأثور" ([1]).

ثانياً: أنه أصل معتبر ظاهر في تفسير النبي صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح.

من أعظم ما يدل على أهميته أنه وارد في تفسير النبي صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح من بعده. بل قد تجلى ذلك في إنكارهم على من فهم الآية على غير السياق والغرض الذي وردت لأجله.

فمن أمثلة اعتباره في تفسير النبي صلى الله عليه وسلم: ما رواه الترمذي وصححه عن عائشة رضي الله عنها أنها سألت النبي × عن قوله تعالى: +وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ" [المؤمنون 60]، فقالت: هم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال: ((لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون، ويصلون، ويتصدقون، وهم يخافون ألا يقبل منهم، أؤلئك الذين يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون)) ([2]).

فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم معنى الآية بسياقها وذلك لاستدلاله بآخر الآية بقوله: +أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ" [المؤمنون 61] وهو موافق لآخر الآية بزيادة كلمة (الذين).

ومن أمثلة اعتبار السياق في تفاسير السلف: ما أخرجه ابن جرير عن سعيد ابن جبير في قوله تعالى: +فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي" [مريم 24] قال: عيسى، أما تسمع الله يقول +فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ" [مريم 29]، وهذا ما رجحه ابن جرير رحمه الله مراعاة للسياق أيضاً ([3]).

وقد أورد ابن القيم في حديثه عن فهم دلالات الألفاظ أمثلة مما فهمه بعض الصحابة من الآيات في غير ما دل عليه لفظ الآية وسياقها، وهو تقرير مهم في هذا الباب أنصح بمطالعته ([4]).

ثالثاً: أن السياق أصل معتبر في التفسير عند العلماء.

يعتبر السياق عند العلماء والمفسرين أساساً في فهم الكلام، وأصلاً يحتكم إليه، وبخاصة في كلام الله تعالى الذي بني على أغراض معتبرة، ونظم متحد، وقد تظافرت وتواترت أقوال العلماء في تأكيد ذلك وتقريره.

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه":إن هذا القرآن كلام الله عز وجل، فضعوه على مواضعه، ولا تتبعوا فيه أهواءكم" ([5]).

قال مسلم بن يسار":إذا حدّثت عن الله حديثاً فقف! حتى تنظر ما قبله وما بعده" ([6]).

وقال عز الدين بن عبد السلام في كلام طويل يدل على أن السياق أصل معتبر عند العلماء":السياق مرشد إلى تبيين المجملات، وترجيح المحتملات، وتقرير الواضحات، وكل ذلك بعرف الاستعمال، فكل صفة وقعت في سياق المدح كانت مدحاً، وكل صفة وقعت في سياق الذم كانت ذماً .. " ([7]).واستطرد في ذكر الأمثلة على ذلك.

وقال الشاطبي مبيناً كون السياق عمدة في فهم كلام الله تعالى":فلا محيص للمتفهم عن رد آخر الكلام على أوله، وأوله على آخره، وإذ ذاك يحصل مقصود الشارع في فهم المكلف، فإن فرق النظر في أجزائه فلا يتوصل به إلى مراده، ولا يصح الاقتصار في النظر على بعض أجزاء الكلام دون بعض" ([8]).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير