[تعريف أبي السعود العمادي للكفر لغة وشرعا]
ـ[أبو عبيدة الهاني]ــــــــ[06 Apr 2007, 10:58 ص]ـ
قال الشيخ أبو السعود في تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ) [البقرة:6]:
والكفر في اللغة: ستر النعمة وأصله الكفر ـ بالفتح ـ أي: الستر. ومنه قيل للزراع والليل: كافِرٌ. قال تعالى: (كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ [الحديد:20]. وعليه قول لبيد: "في ليلة كَفَرَ النجومَ غمامُها". ومنه: المتكفِّر بسلاحة، وهو الشاكي الذي غطى السلاحُ بدنه.
وفي الشرع: "إنكار ما عُلِم بالضرورة مجيءُ الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ به.
وقد بسط الشيخ محمد زيتونة القول في هذا التعريف قائلا:
(والكُفر) بالضم اسم مصدر كَفر، كقتل، لا ضرب كما وهم الجوهري.
(في) أصل (اللغة) العربية: (سَتْرُ) ـ بفتح السين المهملة وسكون المثناة فوقية ـ (النِّعمَة) ـ بكسر فسكون ـ المنعَم بها، وبفتح: الأنعام.
أي تغطيتها وجحودها كما في الصحاح، ضد الشكر. والمصدر: كفران.
(وأصله) أي المضموم كما في الصحاح: (الكَفْرُ) ـ كالضرب ـ (بالفتح) للكاف (أي السَّتْرُ) ـ بالفتح ـ والتغطية في كل شيء.
وكَفَرْتُ الشيء أكْفِرُه ـ بالكسر ـ كَفْرًا: سَتَرْتُهُ. ورماد مكفورٌ سفت الريح النزاب عليه حتى غطته. قال:
هل تعرف بأعلى ذي الغور ... قد درست غير رمادٍ مكفور
(ومنه) سميت القرية كَفْرًا؛ لسَتْرِها أهلَها؛ كخبر: «تُخرِجكُم الرومُ منها كَفْرًا كَفْرًا»، أي من قرى الشام قريةً قريةً. وقول معاوية: «أهل الكفر هم أهل القبور» أي كالموتى لا يشاهدون الجمعة والأمصار.
وهو في اللغة شائع بالكثرة في السَّتْر، ومن ثم (قيل للزَّراع) ملقي البذر بالأرض كَافِرٌ، أي سَاتِرٌ لأنه يستره بترابها ويغطيه فلا يظهر منه شيء.
(والليل) المظلم ـ كما في الصحاح ـ (كافرٌ) لأنه يَستُر ما فيه بظلمته، فهو كاللباس؛ (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً) [النبأ:10]. قال في الصحاح: والكَفْرُ أيضا: ظلمة الليل وسواده، وقد تكسر.
قال حميد:
فوردت قبل انبلاج ... وابن ذكاء كامن في الكَفْرِ
أي: فيما يواريه من سواد الليل.
والكفر: الليل المظلم؛ لأنه ستر بظلمته كل شيء.
وتلطف في المعارف فقال:
يا ليل طل أو لا تطل ... إني على الحالين صابر
لي فيك أجر مجاهد ... إن صح الليل كافر
وكل شيء غطى شيئا فقد كفره، ومنه الكافر بالله لأنه ستر نعمه عليه. وشاهد الأول: (قال تعالى) في سورة الحديد، في ضرب مثل الدنيا: (كَمَثَلِ غَيْثٍ) أي مطر (أَعْجَبَ الْكُفَّارَ) الزراع (نَبَاتُهُ) [الحديد:20] البارز على وجه الأرض لنضارته وحسنه.
(وعليه) أي الكفر بمعنى الستر ورد (قول لبيد) الشاعر المقول فيه من قبله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «أصدق كلمة قالها شاعر لبيد: "ألا كل شيء ما خلا الله باطل".
(في ليلة كَفَرَ) سَتَرَ (النجومَ) الزواهر المتكاثرة (غمامُها) المشتد، وسحابُها المظلم، غطَّاها بظلمته فلم تظهر. وفي المصباح: الغمام: السحاب، والواحدة غمامة، والقصيدة طويلة، منها:
حتى إذا ألفت يدا في كافر ... وأجن عورات الثغور ظلامها
(ومنه) أي ورود الكفر بمعنى الستر والتغطية كما في الصحاح: (المُتكفِّر) ـ مشدد الفاء، أي المتستر (بسلاحة) وآلاته المعدودة للحرب بدخوله فيها، حتى سترته فلم تُظهر منه شيئا.
(وهو) أي المتكفِّر بها (الشاكي) ـ بالشين المعجمة ـ، أي الداخل فيها، (الذي غطَّى) وستر (السلاحُ بدنَه) باشتمالها عليه لابسًا لها، فصارت له كاللباس يتمدح به في الحرب لأنه لا تفعله إلا الكمات، فيدل على كمال الشجاعة وتمام القوة.
وفي المصباح: الشِّكة ـ بالكسر ـ: السلاح. ورجل شاك، وشاك في السلاح، والشاك السلاح: اللابس السلاح التام. وقوم شكاك في الحديد. فالمادة تدور على الستر واللزوم، فتدبر.
تنبيه: قال أبو العباس المقري: ورد لفظ الكفر بمعنى: سَتْر التوحيد وتغطيته كما هنا، وبمعنى:
ـ الجحود؛ (فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ) [البقرة:89] أي جحدوه.
¥