تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[قراءة في مقدمة تفسير المنار (2)]

ـ[أبو جواد]ــــــــ[01 Feb 2007, 07:38 م]ـ

منطلقات التجديد في تفسير الإمام محمد عبده

مصطفى محمد الحسن / صحيفة عكاظ ـ الخميس ـ 13/ 1 / 1428هـ

تحدثت في مقالة سابقة عن رحلة الشيخ رشيد رضا إلى حكيمي الشرق جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، وما زلت أحاول تقليب أفكار مقدمة تفسير المنار الذي طارت شهرته في الآفاق وما زال الناس يحاكمون أفكاره بعد وفاة صاحبه بأكثر من مئة عام ..

يعنيني في هذه المقالة أن أوضح النظرة المتميزة والفكرة الجديدة التي جعلت تفسير المنار يتبوأ هذه المكانة العالية حيث صار قبلة الناقدين لفترة سالفة، ومايزال الطامحون للتجديد يتوقون لبداية استئنافية يرتقون بها عودة إلى الوراء مئة عام بعد النكسة العقلية أواسط القرن العشرين.

كان الإمام ينظر إلى القرآن الكريم بوصفه كتاب هداية، فالمقصود الأسمى من تلاوته وحفظه وتدبره وتفسيره هو الوصول إلى هدايته، وطالما أن القرآن قد تكفل بإصلاح حال العرب الأوائل فلسنا بالطبع أسوأ حالاً منهم، فلابد إذن أن نجد الحلّ لأمتنا وواقعنا من خلال فهم القرآن، ومعنى الهداية: الطريق الموصل إلى الهدف، فلابد أن تستدل بالقرآن على طريق الخلاص، ثم نظر الإمام إلى المكتبة التفسيرية، فإذا أكثرها تعالج التفسير من وجهة علمية محددة، فبعضها نحوية وبعضها بيانية وأخرى عقدية وفقهية وأثرية وهكذا، لذلك قرّر ابتداءً أن هذه التفاسير خرجت عن مقصودها أي (الهداية القرآنية)، يقول «وقد عرفتَ أن الإكثار في مقصد خاص من هذه المقاصد يخرج بالكثيرين عن المقصود من الكتاب الإلهي ويذهب بهم في مذاهب تنسيهم معناه الحقيقي» (1)، ولم يكتف الإمام بعمومية قولنا (الهداية القرآنية)، فهذا المصطلح إن لم تتضح صورته في ذهن المفسّر صار أشبه بالشعارات المرفوعة، لذلك أوضح مراده منها، فعامة الناس يصلون إلى هذه الهداية من خلال بيان إجمالي يتشرب فيه القلب عظمة الله وتنزيهه، وتنصرف به النفس عن الشرّ وتنجذب إلى الخير، وهذه متيسرة لكل فرد من المسلمين.

أما المرتبة العليا والتي يطمح إليها المتدبر لآي القرآن، فلا تتم إلا بأمور رأسها فهم حقائق الألفاظ المجردة، ومعرفة الأساليب القرآنية أي علمي المعاني والبيان، ومراده من هذا أن القرآن الكريم لا يمكن أن تثار معانيه وتقلب أفكاره إلا بإتقان القالب الذي نزل فيه وهو اللغة العربية، ثم بعد ذلك لا بد من العلم بأحوال البشر، أي العلوم الإنسانية كعلم الاجتماع والتاريخ والسياسة والحضارة، يقول الإمام «أنا لا أعقل كيف يمكن لأحد أن يفسّر قوله تعالى {كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين} وهو لا يعرف أحوال البشر، وكيف اتحدوا، وكيف تفرّقوا؟ وما معنى تلك الوحدة التي كانوا عليها؟ وهل كانت نافعة أم ضارة؟ وماذا كان من آثار بعثة النبيين فيهم» (2)، ثم العلم بوجه هداية البشر بمعنى أن العرب كانوا في مستوى معيّن من السلبية والإيجابية فلا بد على المفسِّر أن يحدد هذا المستوى ثم ينظر كيف عالج القرآن هذه الحالة، وكيف تعامل معها، وما الذي قدّمه على غيره، وما الذي تركه لشؤون الناس، ولا يكفي أن نعمّم فنقول: كان الناس على باطل فجاء القرآن فنقلهم من الظلمات إلى النور، وينبني عليه العلم بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم.

بعد هذا التفصيل في نظرة الإمام التفسيرية بقي أن يبيّن لنا رأيه في بعض القضايا المهمة، أولها التفسير بالمأثور، إننا نعلم أن أعلى مراتب التفسير تفسير القرآن بالقرآن ثم تفسير القرآن بالسنة .. هكذا نصّ العلماء، وهذه إشكالية تتكرر، ذلك أن تنظير بعض القضايا لا يمكن لأحد أن يعترض عليه، لكنها لا تصمد في الميدان العملي، من ذلك هذه المقولة، لم يحدثنا الإمام عن تفسير القرآن بالقرآن، ولكنه أبدى رأيه في الروايات المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين، فالرواية الصحيحة المرفوعة لا يقدم عليها شيء، ولكن الصحيح من الروايات المأثورة قليل جدا، وأكثره قد سرى إلى الرواة من زنادقة اليهود والفرس ومسلمة أهل الكتاب، وليس هذا ادعاء من الإمام فانظر إلى الروايات التفسيرية المرفوعة الصحيحة تجدها قلة قليلة، بينما لا تكاد تجد آية في كتب التفسير المأثور إلا وتحتها جمع من الروايات، يقول الإمام «وغرضنا من

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير