[أثر عن ابن عباس استشكله ابن كثير]
ـ[عمر المقبل]ــــــــ[22 Feb 2007, 11:10 م]ـ
في تفسير سورة الجن،قال الحافظ ابن كثير ـ رحمه الله ـ في تفسير قوله تعالى: (وأنه تعالى جدُّ ربنا):
فأما ما رواه ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ،حدثنا سفيان، عن عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس قال: الجد: أب. ولو علمت الجن أن في الإنس جدا ما قالوا: تعالى جَدّ ربنا.
فهذا إسناد جيد، ولكن لست أفهم ما معنى هذا الكلام؛ ولعله قد سقط شيء، والله أعلم.
ففي كلام ابن كثير هذا فوائد،منها:
1 ـ الورع ولزوم الجادة في الإمساك عما لا يعلمه الإنسان،مهما اتسع حفظه وعلمه واطلاعه،فما أحرانا معشر الطلبة أن يكون هذا شعاراً ودثاراً لنا في بحثنا ومدارستنا.
2 ـ الإسناد جيد ـ كما يقول ابن كثير،وهو عند عبدالرزاق صحيح خرج مثله الشيخان ـ لكن المتن فيه غرابة،والسبب في استغرابه ـ كما يظهر لي ـ: كيف قال ابن عباس: إن معنى الجد: الأب،والمعروف أن معنى الجد ـ هنا ـ: الشأن،والعظمة،ونحو ذلك من معاني الإجلال لرب العزة والجلال.
3 ـ بالنظر في كلام أبي عبيد ـ في الغريب ـ وسياق عبدالرزاق،والبيهقي للأثر ـ كما سيأتي ـ يبعد ـ والله أعلم ـ احتمال السقط الذي ذكره ابن كثير.
ولم أجد الأثر في تفسير ابن أبي حاتم المطبوع، لكنني وجدته في مصنف عبدالرزاق 10/ 264،، وفي سنن البيهقي 6/ 246 بلفظ مقارب، حيث رواه من طريق عطاء،عن ابن عباس: الجد أب، وقال: لو علمت الجن ان في الناس جدودا ما قالوا: تعالى جد ربنا،وسنده عند عبدالرزاق صحيح،وهذا اللفظ الذي ذكرته هو لفظ البيهقي،ولفظ عبدالرزاق هو لفظ ابن أبي حاتم.
وقال أبو عبيد في غريب الحديث 1/ 258 ـ بعد أن ساق ذات الأثر ـ:
(يذهب ابن عباس إلى أن الجد إنما هو الغنى، ولم يكن يرى أن أبا الأب جد،إنما هو عنده أب، ويقال منه للرجل ـ إذا كان له جد في الشيء ـ: رجل مجدود،ورجل محظوظ - من الحظ - قالهما أبو عمرو.
و قد زعم ـ بعض الناس ـ أنه إنما هو: ولا ينفع ذا الجد منك الجد - بكسر الجيم!!
والجد إنما هو الاجتهاد بالعمل!
وهذا التأويل خلاف ما دعا الله عز وجل - إليه المؤمنين ووصفهم به؛ لأنه قال الله في كتابه: (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا) فقد أمرهم بالجد والعمل الصالح، وقال: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا)، وقال: (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون ... إلى آخر الآيات)،وقال: (جزاء بما كانوا يعملون) في آيات كثيرة، فكيف يحثهم على العمل وينعتهم به ويحمدهم عليه ثم يقول إنه لا ينفعهم؟!.
ولعل كلام ابن منظور هو أكثر من فسّر هذا الأثر ـ فيما وقفت عليه ـ حيث قال في لسان العرب 3/ 108:
قال ابن عباس: لو علمت الجن أن في الإنس جدا ما قالت تعالى جد ربنا، معناه أن الجن لو علمت أن أبا الأب في الإنس يدعى جدا ما قالت الذي أخبر الله عنه في هذه السورة عنها.
بانتظار ما يضيفه الإخوة،مما لعله يزيل الإشكال،والله الموفق.
ـ[منصور مهران]ــــــــ[23 Feb 2007, 09:02 ص]ـ
ليس غريبا أن يقع غموض ما فينبهم الكلام على القارئ، مهما بلغ من العلم، وهذه سنة الله في خلقه،
ولكن الغريب حقا أن ما أورده ابن منظور المتوفى سنة 711 هج،
هو نقل عن كتاب: (تهذيب اللغة) لأبي منصور الأزهري المتوفى سنة 370 هج،
وكتابه هذا أحد أصول (لسان العرب).
وابن كثير متوفى سنة 774 هج أي: بعد الأزهري بقرون وبعد ابن منظور بنحو 63 سنة.
وكلا الكتابين كان معروفا و متداولا بين العلماء،
ولا يُستبعد أن يكون لدى ابن كثير أحدهما أو كلاهما: فكيف لم يراجع القول في أي الكتابين؟
سبحان ربنا،
كانوا يقولون: ما ترك الأول للآخر شيئا
ثم قالوا: كم ترك الأول للآخر
وفي ملاحظة الأخ الأستاذ عمر لفتة كريمة يُشكَرُ عليها
وبالله التوفيق.
ـ[أبو صفوت]ــــــــ[23 Feb 2007, 03:30 م]ـ
لعله قد سقط من تفسير ابن أبي حاتم لفظ " أبو "، وبقي لفظ الأب وحده فوقع الإشكال، والصواب: أبو الأب
ويكون المراد أن الجن لما قالوا " وأنه تعالى جد ربنا " ما كانوا يعلمون أن لفظ " الجد " مستعمل عند الإنس بمعنى آخر، غير ما قصدوه من العظمة أو الغنى، فكأنهم ما كانوا يعلمون أن هذا اللفظ مشترك لفظي يحتمل أكثر من معنى، فلو كانوا يعلمون لأخبروا عن غنى الله وعظمته بلفظ غير لفظ الجد دفعا لمعنى الجد الذي يطلق عند الإنس على أبي الأب
ويرشح هذا أن قولهم هذا كان في معرض تنزيه الله عن الصاحبة والولد
هذا ما بدا لي، ولست أجزم به، لكني أراه قريبا
والله أعلم
ـ[الغني بالله]ــــــــ[24 Feb 2007, 11:55 ص]ـ
وأنا أميل إلى ماذكره الأخ الفاضل أبوصفوت ولا يستغرب أن يفوت ابن كثير مثل ذلك.