تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[علم السياق القرآني [8] (صلة السياق ببعض علوم القرآن)]

ـ[محمد الربيعة]ــــــــ[10 Mar 2007, 06:10 م]ـ

السياق مرتبط بالتفسير ارتباطاً وثيقاً بل هو أصل فيه كما قررت سابقاً، ولهذا فلابد من ارتباط بين السياق وبين العلوم المتعلقة بالتفسير.

وأعرض هنا لبعض الجوانب الرئيسة من علوم التفسير مما له صلة وثيقة بالسياق من خلال المطالب التالية:

أولاَ: الموضوعات المتعلقة بالنزول.

من أعظم ما يرتبط بالسياق من علوم التفسير العلوم المتعلقة بتنزيله، وهي: أسباب النزول، ومعرفة المكي والمدني، ومعرفة أحوال المخاطبين حال النزول، وعموم الأحوال التي نزلت فيها الآية، ويمكن أن نسميها بـ (ملابسات النزول)

وأسباب النزول هي ألصق هذه الموضوعات بالسياق وأجمعها، وهي على الصحيح أعم من أن تكون أثراً منقولاً في دواوين السنة، بل إنه يدخل فيها عموم أحوال التنزيل، وهذا ماسلكه كثير من المفسرين ([1]).

ولهذا يمكن تعريف أسباب النزول بأنها: (ما نزلت الآية أو الآيات متحدثة عنه أو مبينة لحكمة أيام وقوعه) ([2]).

وأسباب النزول بهذا المعنى العام طريق مهم لفهم كلام الله تعالى، ولا يمكن معرفة تفسير الآية دون الوقوف على الأحوال التي نزلت فيها.

قال شيخ الإسلام: "ومعرفة سبب النزول يعين على فهم الآية، فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب" ([3]).

وقال السيوطي: "قال الواحدي: لا يمكن تفسير الآية دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها، وقال ابن دقيق العيد: بيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني القرآن" ([4]).

وللعلماء عناية خاصة بأسباب النزول في القديم ([5]) والحديث ([6]).

الصلة بين السياق وعلم أسباب النزول:

أسباب النزول بما تشمله من أحوال التنزيل لها أثر بالغ في معرفة السياق وتحديده، ولذا اعتبرت من عناصر السياق وأركانه، حيث ذكرنا أن من عناصر السياق الأحوال والأسباب التي نزلت فيها الآية. وفي مقابل ذلك فإن السياق يبين السبب الصحيح للآية.

قال الشاطبي موضحاً فائدة أسباب النزول بمعناها العام المرتبط بالسياق وتلازم الصلة بين السياق وأحوال التنزيل: "معرفة أسباب التنزيل لازمة لمن أراد علم القرآن، والدليل على ذلك أمران:

أحدهما: أن علم المعاني والبيان الذي يعرف به إعجاز نظم القرآن فضلاً عن معرفة مقاصد كلام العرب، إنما مداره على معرفة مقتضيات الأحوال: حال الخطاب من جهة نفس الخطاب، أو المخاطِب، أو المخاطَب، أو الجميع؛ إذ الكلام الواحد يختلف فهمه بحسب حاله، وبحسب مخاطبيه، وبحسب غير ذلك .. ومعرفة الأسباب رافعة كل مشكل في هذا النمط، فهي من المهمات في فهم الكتاب ولا بد، ومعنى معرفة السبب هو معنى معرفة مقتضى الحال.

وينشأ عن هذا الوجه: الوجه الثاني: وهو أن الجهل بأسباب التنزيل موقع في الشبه والإشكالات، ومورد للنصوص الظاهرة مورد الإجمال حتى يقع الاختلاف، وذلك مظنة وقوع النزاع .. " ([7]). وهذا كلام فصل في هذا الباب.

وقال ابن عاشور مؤكداً أهمية أسباب النزول بمعناها العام في معرفة السياق":ومنها - أي أسباب النزول - ما ينبه المفسر إلى إدراك خصوصيات بلاغية تتبع مقتضى المقامات، فإن من أسباب النزول ما يعين على تصوير مقام الكلام" ([8]).

أمثلة تؤكد الصلة:

يحسن بنا أن نعرض لبعض الأمثلة الدالة على أهمية معرفة أحوال التنزيل وأسبابه وأثرها في تحديد السياق ومعرفته وبيان المعنى، وأثر السياق في تحديد سبب النزول.

المثال الأول: في أثر السياق والأحوال التي نزلت فيها الآية لتحديد السياق ومعرفة المعنى المقصود.

وهو ما أخرجه البخاري: (أن مروان بن الحكم قال لبوابه: يا رافع؛ إذهب إلى ابن عباس فقل له: لئن كان كل امرئ منا فرح بما أتى وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبًا، لنعذبن جميعًا!، فقال ابن عباس: ما لكم ولهذه الآية؟ إنما أنزلت في أهل الكتاب! ثم تلا ابن عباس: {وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ" إلى قوله: +أن يحمدوا بما لم يفعلوا} [آل عمران 178]. قال ابن عباس: سألهم النبيّ صلى الله عليه وسلم عن شيء فكتموه إياه، وأخبروه بغيره، فخرجوا وقد أروه أن قد أخبروه بما قد سألهم عنه، فاستحمدوا بذلك إليه، وفرحوا بما أتوا من كتمانهم إياه ما سألهم عنه) ([9]).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير