1 - أن العبرة في هذا النوع بمعناه الباقي، لا بلفظه المنسوخ.
2 - أن أمثلته قليلة لم تزد على الآية الواحدة كهذه الآية، وأعني أنه لم يحفظ نسخ تلاوة عدد من الآيات المتتالية مع بقاء حكمها. مما يدفع الباحثين إلى البحث في وجه الإعجاز في نظمها لأن التحدي وقع بسورة من القرآن، وأقل آيات أقصر السور هو ثلاث آيات. والله أعلم.
قال الله عزوجل بعد ان ذكر إهلاك قوم لوط في سورة العنكبوت {وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} العنكبوت35 فهل يلزم من هذا ان تكون تلك الآية محسوسة وموجودة في عصرنا؟ وهل يصح ان يستدل بها على ان ديار قوم لوط هي مكان البحر الميت كما هو مشهور؟
بعض المفسرين يذهب إلى أن هذه الآية البينة التي تركها الله هي (عُفُوُّ آثارهم، ودروس معالمهم) كما ذهب إلى ذلك الطبري، فيكون إهلاكهم وتدميرهم وذهاب أي أثر لهم هو تلك الآية التي عناها الله في الآية.
في حين ذهب بعض المفسرين إلى أن هذه الآية البينة التي تركها الله علامة على إهلاك قوم لوط هي بقايا الحجارة التي أهلكهم الله بها، ولهذا قال: {وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً} أي: واضحة. ومما يدل على بقاء وظهور هذه الآية أن الناس يرونها كلما مروا عليها كَمَا قَالَ تعالى {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [الصافات: 137، 138].
ويشير إلى هذا ابن عاشور بقوله: (ويجوز أن تكون (من) للابتداء، أي تركنا آية صادرة من آثارها ومعرفة خبرها، وهي آية واضحة دائمة على طول الزمان إلى الآن ولذلك وصفت ب {بينة}، ولم توصف آية السفينة ب {بينة} في قوله {وجعلناها ءاية للعالمين} [العنكبوت: 15]، لأن السفينة قد بليت ألواحها وحديدها أو بقي منها ما لا يظهر إلا بعد تفتيش إن كان.
ويجوز جعل (من) اسماً بمعنى بعض على رأي من رأى ذلك من المحققين، فتكون (من) مفعولاً مضافاً إلى ضمير (قرية). .. والمعنى: ولقد تركنا من القرية آثاراً دالة لقوم يستعملون عقولهم في الاستدلال بالآثار على أحوال أهلها، وهذه العلامة هي بقايا قريتهم مغمورة بماء بحيرة لوط تلوح من تحت المياه شواهد القرية، وبقايا لون الكبريت والمعادن التي رجمت بها قريتهم وفي ذلك عدة أدلة باختلاف مدارك المستدلين)
وأما الاستدلال بالآية على أن ديار قوم لوط هي مكان البحر الميت فهذه الآية وغيرها من الآيات الواردة في القرآن عن قوم لوط عليه السلام لا تدل على مكان قوم لوط، ولم يذكر الله مكانهم في أي موضع من القرآن، وإنما يأتي تحديد مواطنهم في بعض الروايات التاريخية وبعض الإسرائيليات، ولذلك فلا يمكن الاستدلال بالآية على تحديد موطنهم.
قال تعالى {اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} البقرة257 ما النور والظلمات للمؤمنين وما النور والظلمات للكفار؟
معنى هذه الآية الكريمة أن الله متولى شؤون المؤمنين وناصرهم، يخرجهم من ظلمات الشكِّ والحيرة إلى نور الحق والاطمئنان، والكافرون بالله تستولى عليهم الشياطين ودعاة الشر والضلال، فهم يخرجونهم من نور الإيمان الذى فطروا عليه والذى وضح بالأدلة والآيات إلى ظلمات الكفر والفساد.
دعا زكريا ربه مرارا وتكرارا وحين استجاب الله دعائه {قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً} مريم8 فما هذا من زكريا؟ ولم طلب ان يجعل الله له آية بعد هذا؟
الذي يبدو لي من سؤال زكريا أنه سؤال تعجب ممزوج بالفرح والسرور باستجابة الله سبحانه وتعالى لدعائه، وهي حالة بشرية تتملك الإنسان إذا رأى أمنيته تتحقق أمام عينيه، وليس هذا السؤال من زكريا عليه الصلاة والسلام من باب الإنكار، وهو الموقن باستجابة دعائه. ألم تسمع قوله: (ولم أكن بدعائك رب شقيا). أي أنك يا رب عودتني منك على الرحمة واستجابة الدعاء فاستجب دعائي هذا. وقصته معروفة وتفاصيلها في سورة آل عمران وسورة مريم لا تخفى عليكم وفقكم الله.
وأما طلبه الآية فهي من باب قوله تعالى: (ولكن ليطمئن قلبي) كما حدث مع إبراهيم عليه الصلاة والسلام، والمقصود بالآية هنا العلامة بين زكريا وبين ربه، يعرف بها زكريا عليه السلام بدء حمل زوجته، وعلوق الجنين في رحمها، لأن ظهور علامات الحمل على ظاهرها تتأخر عن ذلك، وقد جعل الله له علامة في قوله (ألا تكلم الناس ثلاث ليالٍ سويا) أي: علامة بدء حمل زوجتك بيحيى هي أنك لا تقدر على الكلام ثلاثة أيام متتالية دون أن يكون ذلك لمرض أو عاهة تصيبك، وإنما علامة من الله لك.
حين تولى يوسف عليه السلام وزارة المال وصار عزيزا لماذا لم يأمر صبيانه بأن يحضروا أباه بدل أن يأخذ أخاه فبفعله هذا زاد هم أبيه حتى ابيضت عيناه وحزن وتألم؟
هذه خاطرة تتبادر إلى أذهان كثيرين، وقد سئلتُ عنها مراراً، ووقعت في نفسي من قبلُ مراراً، لكنني لم أجد جواباً، فالله أعلم بسبب فعل يوسف عليه السلام هذا، هل كان هو أفضل الحيل للوصول إلى أبيه بعد ذلك، أم أن في القصة تفاصيل لم تذكر يكون فيها الجواب عن هذا التساؤل، ولعل في تأملات الإخوة ما يدل على الجواب.
¥