تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فهذا المثال يبين أثر الحال الذي نزلت فيه الآية ومن نزلت فيه، ويزيل الإشكال الوارد فيها. وقد استدل على نزولها في اليهود بالسياق وهو الآية السابقة لها. وهذا يؤكد الصلة بينهما وأن كلا منهما مبين للآخر.

المثال الثاني: في تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا} [البقرة104] فإن الآية لايمكن معرفة سياقها ومعناها إلا بمعرفة الحال التي نزلت فيه، وهو أن اليهود كانوا يقولونها للنبي × ويقصدون بها الاستهزاءً والطعن كما أخرج ابن جرير وغيره عن قتادة قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا} هو قول كانت اليهود تقوله استهزاءً، فزجر الله المؤمنين أن يقولوا كقولهم ([10]).

والعلاقة بين أسباب النزول والسياق علاقة مشتركة، فكما أن أسباب النزول تعين على معرفة السياق، فإن السياق وسيلة مؤثرة في بيان الأصح من أسباب النزول.

ومن أمثلة ذلك: ما أورده ابن جرير في قوله تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ} الآية [آل عمران 31]. حيث قال: "اختلف أهل التأويل في السبب الذي نزلت فيه هذه الآية .. وأولى القولين بتأويل الآية قول محمد بن جعفر بن الزبير - يعني أنها نزلت في وفد نجران - لأنه لم يجر لغير وفد نجران في هذه السورة، ولا قبل هذه الآية ذكر قوم ادعوا أنهم يحبون الله، ولا أنهم يعظمونه" ([11]).

ومن العلوم المتعلقة بالنزول: علم المكي والمدني.

وقد ذكر السيوطي ضابطه فقال: "اعلم أن للناس في المكي والمدني اصطلاحات ثلاثة: أشهرها أن المكي ما نزل قبل الهجرة، والمدني ما نزل بعدها سواء نزل بمكة أم بالمدينة عام الفتح أو عام حجة الوداع أم بسفر من الأسفار" ([12]).

وهو علم مهم معين على معرفة المعنى وتحديد السياق، قال السيوطي: "قال أبو القاسم النيسابوري في كتاب التنبيه على فضل علوم القرآن: من أشرف علوم القرآن علم نزوله وجهاته" ([13]).

والمكي والمدني له صلة بالسياق ظاهرة، من وجوه:

أولاً: أن للسور المكية أغراضاً تختلف عن أغراض السورة المدنية فمن أغراض المكي التوحيد وأركان الإيمان، ومجادلة المشركين، ومن أغراض السور المدنية بيان وتفصيل أحكام الإسلام وحدوده. فمثلاً سورة الحج سورة مكية، غرضها إقامة التوحيد لله وإظهار أدلته ولهذا جاء فيها الحج ببيان أصول التوحيد فيه، وسورة البقرة سورة مدنية غرضها تقرير أصول أحكام الشريعة، ولهذا جاء فيها ذكر الحج ببيان أصول أحكامه.

وهذا ظاهر الدلالة والأثر في السياق؛ إذ أن معرفة المكي من المدني يؤكد سياق السورة ويحدده، ويبين الغرض المقصود منها.

ثانياً: أن للآيات المكية خصائص أسلوبية ليست للآيات المدنية، فمن خصائص الآيات المكية أنها متضمنة للوعيد والتهديد غالباً، فتجد مثلاً كلمة +كلا" الرادعة الزاجرة، وكلمة {الصاخة} التي تشعر بالوعيد والتهديد، ومن خصائص الآيات المدنية أن ألفاظها متضمنة للوعد والترغيب غالباً، ولذا تجد في افتتاحها بنداءات الإيمان، وخواتمها بأسماء الرحمن.

وهذا يؤثر في معرفة السياق من جهة معرفة غرض الآية وما تتضمنته من الوعد والوعيد، والمخاطب فيها من مؤمن وكافر.


([1]) انظر: (جامع البيان)) (4/ 33)، ((تفسير ابن كثير)) (1/ 390)، ((التحرير والتنوير)) (2/ 197)، (2/ 359)، ومن الشواهد على ذلك ما ذكره ابن كثير في تفسير قوله تعالى: +واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً" [آل عمران 103] قال ابن كثير: (وهذا السياق في شأن الأوس والخزرج، فإنه قدكان بينهم حروب كثيرة في الجاهلية ... فلما جاء الإسلام صاروا إخواناً متحابين) انظر: ((تفسير ابن كثير)) (1/ 390).

([2]) انظر: ((مناهل العرفان)) (1/ 99)، ((أسباب النزول وأثره في بيان النصوص)) (26).

([3]) ((مجموع الفتاوى)) (13/ 339).

([4]) ((الإتقان)) (1/ 93).

([5]) من المؤلفات في القديم: أسباب النزول لعلي بن المديني، وأسباب النزول للواحدي، والعجاب في بيان الأسباب لابن حجر، ولباب النقول في أسباب النزول للسيوطي ..

([6]) من المؤلفات في الحديث: الصحيح المسند من أسباب النزول للوادعي، وأسباب النزول عن الصحابة والتابعين للقاضي، وأسباب النزول القرآني لغازي عناية، وأسباب النزول وأثرها في بيان النصوص لعماد الدين الرشيد.

([7]) ((الموافقات)) (4/ 146).

([8]) ((التحرير والتنوير)) (1/ 47).

([9]) أخرجه البخاري (6/ 50) رقم (4568). انظر: ((أسباب النزول للواحدي)) (1/ 268).

([10]) انظر: ((جامع البيان)) (1/ 515).

([11]) ((جامع البيان)) (5/ 426).وانظر: أيضاً ((جامع البيان)) (4/ 615) (6/ 459) (7/ 636).

([12]) ((الاتقان)) (1/ 8).

([13]) ((الاتقان)) (1/ 5).

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير