هل بإمكاني أن أُفيض بالحديث عن أبرز ما يتميز به؟ عن دأبه على العمل؟ فهو يعمل في سائر أحواله، كان جمل المحامل في العمل .. تراه من لقاء إلى لقاء، في الحر والبرد، وتراه عاكفاً في غرفته على أوراقه، يوجّه من يعمل معه، وبقي يعمل حتى الساعات الأخيرة من حياته المباركة إن شاء الله.
كانت روحه تهيم في كتبه وبين أوراقه، وقد فتح الله عليه في بداية حياته، فعكف على الدراسات القرآنية، وألّف كتابه البديع في بابه: (الفاصلة في القرآن) وعندما اشتدّ عليه المرض، في سنواته الأخيرة، رجع إلى ما صرفته عنه الصوارف .. رجع إلى الدراسات القرآنية، وأكبَّ على كتبها، وأنست روحه بها، فكتب كتابه الجميل: دراسات جمالية بيانية في أربع سور، وكان يتابع دراساته القرآنية هذه، وكان آخر عهدي به –رحمه الله تعالى- قبل وفاته بيوم واحد، أعاد إليَّ كتابين كان استعارهما قبل أشهر، أحدهما: كتاب التصوير الفني في القرآن، للأستاذ الشهيد العظيم سيد قطب رحمه الله رحمة واسعة، وكان هذا آخر لقاء بيني وبينه، رحمه الله رحمة واسعة.
بقي أن أقول، مما أستطيع قوله الآن:
كانت حلب والعودة الكريمة إليها، حلماً يداعبه حتى آخر لحظة من حياته .. وفي آخر سهرة حلبية ألقى قصيدته الجميلة: (هل من عود إلى حلب) المنشورة في موقع أدباء الشام في 10/ 8/2005 بمناسبة مرور ربع قرن على مغادرته حلب، وفيها يحنّ إلى حلب حنيناً أثار الأشجان، وأسال بعض الدموع.
عندما سلمني القصيدة لنشرها، قلت له:
- هوّن عليك يا أخي، فالله المنتقم الجبار أغير على عباده من كل غيور، ولعله –سبحانه- أراد أن يفضح هذه الزمرة الباغية الذين شرّدوا مئات الآلاف عن أهليهم وديارهم، وسرقوها منهم ... سرقوا بيوتهم، ومراتع صباهم، ومواطن ذكرياتهم، وأبعدوهم عن أمهاتهم وآبائهم وأقربائهم، وأصدقائهم، وزملائهم ... سرقوا كل شيء منهم، إلا إيمانهم، وكرامتهم، واعتزازهم بانتمائهم، وإصرارهم على جهادهم، وهو مالم يفعله إلا أجداد أولئك، الذين سرقوا الحجر الأسود الشريف، وغرّبوه عن موطنه ومكان إقامته في الركن الملاصق لباب الكعبة المعظمة، ثم رجع الحجر الشريف إلى مكانه برغم أنوف البغاة، وبقيت فعلتهم هذه سبّة الدهر عليهم إلى يوم الدين، وسوف نرجع إلى ديارنا، وأنوفهم راغمة بإذن الله تعالى، وسوف تبقى فعلتهم هذه سبّة الدهر في تاريخهم.
قال: ومن هؤلاء حتى يكون لهم تاريخ؟
قلت: كلامك صحيح .. من هؤلاء حتى يكون لهم تاريخ .. ولكنّ تشريدهم لنا سيكون لعنة عليهم في الدنيا قبل الآخرة، فعشرات الآلاف من أولادنا وحفدتنا لم تكتحل عيونهم بمشاهدة أوطانهم، وهم وأمهاتهم، يدعون على أولئك، يصوّبون إليهم سهام السحر، ولن تخطئ سهامهم أهدافها بإذن الله القوي المنتقم .. نحن ونساؤنا وذرياتنا نرفع أكفنا المتوضئة كل يوم، كل سحر، وعند كل أذان، ندعو على الظالمين وعلى أعوانهم.
* * *
هذه شهادة أخ صديق له، عرفه منذ خمسين عاماً، وكان خليطه، وكان كل منهما يأرز إلى أخيه كلما حزبه أمر، يبثه شكواه ونجواه، تقبّله الله وإياه، وأسكننا جميعاً عوالي الجنة وعلاليها، إنه جواد رحمان رحيم.
* * *
وإني أدعو طلاب الدراسات العليا إلى الكتابة عن الحسناوي الأديب، والحسناوي السياسي، والحسناوي الداعية، فحياة محمد الحسناوي حافلة، وأدبه، شعراً وقصة، ورواية، ودراسة، ونقداً، جدير بأن يكون موضوع أكثر من أطروحة ورسالة جامعية.
والسلام عليك يا أخي يا أبا محمود في الخالدين.
ـ[جمال أبو حسان]ــــــــ[15 Mar 2007, 09:24 ص]ـ
جزاك الله خيرا واحسن اليك
وقد بان في ثنايا السطور الم المعاناة التي تعانونها فنسال الله تعالى ان يفرج عنكم وعن جميع المسلمين
وهكذا تكون الكتابة الخارجة من القلب انها لا تذهب الا الى القلب