تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

مما يثير الانتباه في كتاب الله عز وجل أن هذا اللفظ (أي الأمن) لم يرد إسما إلا في خمسة مواضع، ثلاثة منها ورد معرفا في الصورة المطلقة وذلك في قوله تعالى: ? وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم? [النساء 83] وقوله تعالى: ? وحاجه قوله قال أتحاجوني في الله وقد هدان ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما أفلا تتذكرون وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون? [الأنعام: 80 - 82]. ومرتين ورد منكرا منها قوله تعالى: ?وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون? [النور:53] وورد على غير الصورة الإسمية أضعاف ذلك سواء بصيغة الماضي أو صيغة المضارع أو في صيغة المشتق كاسم الفاعل المفرد أو الجمع، وقد ورد اللفظ بعدة أشكال، لكنه لم يرد مقيدا بشيء لا بوصف ولا بإضافة، ومعنى ذلك أنه غير قابل للتبعيض، فالأمن شيء كلي شامل لا يقبل التبعيض، فهذه نقطة مهمة وهو أن الأمن نعمة يتنعم بها الناس إما أن تكون وإما أن لا تكون، ولا يمكن أن تكون مبعضة بمعنى ينعمون بنوع من الأمن ولا ينعمون بأنواع أخرى ولا سيما بالنسبة لأهل الإيمان، لأن المنطق الذي يحكم دائرة الإيمان بعد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هي دائرة التكليف ودائرة الشهادة على الناس، بينما الدائرة الأخرى ليست مكلفة، ولذلك إذا تمت الاستجابة للتكليف تكون النتائج وتكون الآثار الطيبة وتكون الثمرات وتكون الخيرات، وإذا لم تتم الاستجابة تكون العقوبات. بينما في دائرة غير الإيمان قد يتم التنعم الدنيوي حتى يرتحل الناس، ولا يكون إشكال لأنهم ليسوا مكلفين بهذه الأمانة، والأمر عندنا جميعا واضح فلا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم، وأمته من بعده هي حاملة للأمانة، ولذلك إذا لم تقم بها تحاسب على ذلك أفرادا وأمة، تحاسب على ذلك حسابا عسيرا في الدنيا وحسابا عسيرا في الآخرة. والفساد الذي يحدث في غير المسلمين هو في الحقيقة بسبب تقصير المسلمين، لأن شرطة الأرض المنظمة للسير في الكرة الأرضية هي الأمة الإسلامية، هذا موقعها لا واقعها، ولكنها للأسف لم ترتق الآن إلى الموقع وهي الآن في واقع نعرفه جميعا، ولذلك فإن مفهوم الأمن بالنسبة لهذه الأمة لا يتبعض، لأن مقره القلب كما سنرى في النظرة الموالية:

النظرة الثانية:

إن تتبعنا لمفهوم الأمن يوصلنا إلى حقيقة مفادها أنه مستقر في القلب، ومدار مادة "أمن" في اللسان العربي على سكينة يطمئن إليها القلب بعد اضطراب، وأنقل هاهنا قول الراغب الأصفهاني فإنه يكاد يكون جامعا لما في غيره مع تدقيق، يقول رحمه الله: "أصل الأمن: طمأنينة النفس وزوال الخوف ... و"آمن" إنما يقال على وجهين: أحدهما متعديا بنفسه، يقال "آمنته": أي جعلت له الأمن، ومنه قيل لله مؤمن، والثاني: غير متعد، ومعناه صار ذا أمن ... والإيمان هو التصديق الذي معه أمن"?، كأن الإمام الراغب رحمه الله لا يتصور أن يكون هناك مؤمن وليس عنده أمن، وليس في قلبه أمن أي سكينة واطمئنان، أي استقرار لا اهتزاز ولا اضطراب ولا قلق ولا حيرة لأنه مطمئن إلى ربه ?ألا بذكر الله تطمئن القلوب? [الرعد: 29].?هو الذي أنزل السكينة في قلوب المِؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم? [الفتح: 4]، فالمدار إذن على وجود سكينة في القلب في جميع ما دارت فيه المادة سواء في صورة "أمن" أو "آمن" المتعدي واللازم، المدار على هذه السكينة وعلى هذه الطمأنينة التي تأتي في حقيقتها بعد نوع من القلق والاضطراب، وتأتي بعد قدر من الخوف، وهذا الخوف عبر عنه بالخوف نفسه، وعبر عنه بالبأس، وعبر عنه بالفزع ?وهم من فزع يومئذ آمنون? [النمل: 191] وعبر عنه بألفاظ أخرى غير هذه الألفاظ، ولكن مؤداها جميعا هي أنها تحدث لدى الإنسان ضربا من الخوف، فإذا جاء الأمن أزال ذلك الخوف، هذا الأصل وهذا المدار الذي تدور عليه المادة يجعلنا نتجه إلى أن المعنى

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير