ثانياً: ابن هشام في عبارته أطلق الفعل، ولم يقيده بكونه مبنياً لاتصاله بنون التوكيد، وإنما بكونه مبنياً للمعلوم، وهذه عبارته في أوضحه: "وجزمها فعلي المتكلم مبنيين للفاعل نادر ... "، أما الشيخ محمد محي الدين عبد الحميد فلم يتطرق إلى تقييد الفعل بذلك أيضاً، وإنما هو ذكر محاولة لتخريج (لا) على أنها نافية، إلاّ أن تقول لي: إن ابن هشام استغنى عن تقييده بالتمثيل؛ إذ إنه مثّل عليه متصلاً بنون التوكيد، فأقول حينها: أنا أمنع ذلك؛ لأنه في تمثيله الآخر لم يقيد الفعل بما ذكرته حين ذكر الشاهد ( ... فلا نعد)، بل أبقاه على إطلاقه، فدل على أنه لم يرد ذلك، إذ لو أراد لكان عليه أن يفصل بين (لا) الداخلة على فعل المتكلم المفرد، والمتكلم المعظم نفسه.
والله تعالى أعلم ...
ـ[عطوان عويضة]ــــــــ[05 - 09 - 2010, 10:15 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
دخول لا الناهية على المضارع المسند إلى ضمير المتكلم ومعه غيره قليل جدا نحو قوله: (إذا ما خرجنا من دمشق فلا نعد ... لها أبدا ما دام فيها الجراضم)، ومع المتكلم المفرد أقل حتى لا يكاد يوجد عليه شاهد.
والفعل (أنسى) يأتي كثيرا في الجملة الشرطية (ما أنس لا أنس .... ) كثرة تكاد تصل حد الاطراد.
ومن شواهد ذلك:
وما أنس ملأ شياء لا أنس موقفا ... لنا ولها بالسفح دون ثبير
وما أنس ملأ شياء لا أنس قولها ... وأدمعها يذرين حشو المكاحل
ما أَنْسَ لا أَنْسَ إذْ قامَتْ تُوَدِّعُنا ... بِمُقْلَةٍ جَفْنهُا فِي دمعها غَرِقُ
فما أنس ملأشياء لا أنس موقفي ... وموقفها يوماً بقارعة النخل
وما أنس ملأ شياء لا أنس قولها ... وقد قرّبت نضوى أمصر تريد
وما أنسَ ملأشياء لا أنس قولها ... وقد زل عن غر الثنايا لثامها
ما أنس لا أنس يوم الخيف موقفها ... وموقفي وكلانا ثم ذو شجن
وما أنس مِ الأشياء لا أنس مجلساً ... لنا مرةً منها بقرن المنازل
وما أنس م الأشياء لا أنس قولها ... لخادمها قومي اسألي لي عن الوتر
وما أنس م الأشياء لا أنس شادناً ... بمكة مكحولاً أسيلا مدامعه
ما أنس لا أنس منها إذ تودعنا ... والحزن منها وإن لم تبده بادي
وما أنس م الأشياء لا أنس دمعها ... ونظرتها حتى يغيبني القبر
ما أنس لا أنس منها نظرةً سلفت ... بالحجر يوم جلتها أم منظور
فما أنس لا أنس قتلاهم ... ولا عاش بعدهم من نسي
وما أنس لا أنس منها الخشوع ... وفيض الدموع وغمز اليد
ما أنْس لا أنس خَبَّازًا مَرَرْتُ به… يدْحُو الرُّقاقَة وشْكَ اللمْح بالبصر
فما أنس ملأشياء لا أنس قولها ... بربك بين لي متى أنت راجع
فَما أَنْسَ ملأشياءَ لاَ أَنسَ مَنْظِراً ... بِمُرَّانَ أسفَتْهُ بكُوراً صَبِيرها
فما انس ملْ الأشياءِ لا أنس قولها ... لعل النوى بعد التفرق تصقبُ
وما أنس ملأشياء لا أنس قولها ... لجارتها ما أولع الحب بالحر
فما أنس ملأشياء لا أنس قولها ... وقد قرب المهري أين يريد
وما أنْس لا أنْس حتى الممات ... نزيب الظباء تجيب الظباء
وما أَنسَ مِ الأَشياءٍ لا أَنسَ قولَها ... تقدَّمْ فشيَّعْني إلى ضَحوةِ الغَدِ
ولا أَنسَ مِ الأشياء لا أنسَ قولَها ... أَتَتْرُكُني في الدارِ وَحدي وتذهبُ
وما أنسَ لا أنسَ لُفَّاحةً ... حبوتُ بها مُستكيناً حزينا
فما أنس لا أنس عهدي بها ... وجري فيها ذيول المراح
وما أنسَ لا أَنسَ المليحَةَ إذْ بدَتْ ... دُجًى فأَضاءَ الأُفقُ من كلِّ موضعِ
ما أنس لا أنس إذ تجلو عوارضها ... والجفن بالإثمد الهندي مكحول
فَمَا أنسَهُ لا أنسَ مِنهُ إشارة ً ... بسبّابة ِ اليُمْنَى على خَاتَمِ الفَمِ
ما أنسَ لا أنسَ يُمناها معطَّفة ً ... على فؤادي ويُسراها على رَاسِي
وما أنس م الأشياء لا أنس بيعةً ... من الدهر إذ أهل الصفاء جميعُ
ما أنسَ لا أنسَ لَيلةَ الأحدِ ... والبدرُ ضَيْفي وأَمرهُ بيدِي
فما أَنْسَ مِ الأَشْياءِ لا أَنْسَ نَظْرتي ... بمكةَ أَنِّي تائفُ النَّظَراتِ
ما أَنْسَ لا أَنْسَ مِنْكُمْ نَظْرَةً شَغَفَتْ ... في يوم عيدٍ ويومُ العيدِ مَخْرُوجُ
ما أنسَ لا أنسَ منها إذ تودِّعنا ... وقولُها لا تزرْنا أنتَ مقتولُ
وغير ذلك كثير ...
ولعل هذه الكثرة أباحت حذف جملة الشرط للعلم بها، وإبقاء جملة الجواب، فيكون الفعل (أنس) مجزوما لأنه جواب الشرط، ولا نافية لا ناهية؛
ويكون قوله: (لا أَنسَ طولَ الحَياةِ ما بَقِيَت ** بِطَيبَةٍ رَوضَةٌ لَها شَجَرُ .. ) بتقدير (ما (مهما) أنس من الأشياء لا أنس هذا الممشى .. )
ومثل ذلك:
لا أنسَ يومَ تنازَعنا حديثَ نَوًى ... وقَوْلَها وهي تبكي: خانني جلدي
لا أنس سعدة والزرقاء يوم هما ... باللج شرقيه فوق الدكاكين
ولا أنس ليلتنا والعنا ... ق قد مزج الكل منا بكل
واللّه لا أنس حبي الدهر ما سجعت ... حمامة أو بكى طير على فنن.
لا أنس بشرك والزمان مقطب ... ونوال كفك والغمام بخيل
لا أنس يومي من الفتاة لدي الد ... ديرين والمشركون حضار
ولعل الألف حذفت تخفيفا.
والله أعلم
¥