ـ[علي المعشي]ــــــــ[18 - 09 - 2010, 02:23 ص]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أخي الكريم أبا وسماء
لا خلاف في أن ما يسميه المشركون قربانا هو عندهم آلهة تعبد، ولكنهم يسمونها تارة آلهة كما في قوله تعالى:
(وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا) وقوله: (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ)
ويسمونها شفعاء تارة أخرى كما في قوله تعالى: (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ)
ويدعون أحيانا أن هذه المعبودات ما هي إلا قربان تقربهم إلى الله كما في قوله جل شأنه: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى)
فكما ترى أن كل هذه المسميات لشيء واحد هو الآلهة المزعومة، ومن هنا لا بد أن يكون في الاعتبار كُنْه المسمى عند إعراب الآية دون الاقتصار على معنى الاسم (القربان) لأنها عندهم آلهة سواء قالوا إنها آلهة أو أولياء أو شفعاء أو قربان ... إلخ، ولهذا يصح أن يكون (قربانا) في الآية مفعولا ثانيا على اعتبار أن المشركين يزعمون أنها قربان وهي آلهتهم، ثم أبدل منها (آلهة) وهي المقصود النهائي.
على أن ربنا عز وجل قد يسمي الآلهة المزعومة بما يسميها به المشركون، فكما سماها هنا قربانا نجده يسميها شفعاء في قوله تبارك وتعالى:
(أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ)
ثم ألا ترى أنه لو سُلم بقول ابن المنير الذي أراك مقتنعا به:
لو كان قربانا مفعولا ثانيا ومعناه متقربا بهم: لصار المعنى إلى أنهم وبخوا على ترك اتخاذ اللّه متقربا به، لأن السيد إذا وبخ عبده وقال: اتخذت فلانا سيدا دوني، فإنما معناه اللوم على نسبة السيادة إلى غيره لو سُلم به للزم منه تطبيق ذلك على هذه الآية المذكورة آنفا لأن القربان والشفعاء متقاربان في المعنى بل هما شبه متطابقين؟
ثم إن إبدال الآلهة من القربان ليس بأبعد من إبدال الآلهة من الإفك في قوله تعالى:
(أَإفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ) حيث إن البدلية من أبرز وجوه إعرابها، بل إن النحاس في إعرابه قد اقتصر عليها ولم يجاوزها.
ولو طبقتَ قولك:
وهنا لو وقفنا عند قوله سبحانه: قربانا، (الذين اتخذوا من دون الله قربانا) بتقدير: الذين اتخذوهم من دون الله قربانا، فقد جعلنا الله تعالى ممن يمكن أن يتخذ قربانا على هذه الآية للزم منه فساد إبدال الآلهة من الإفك أيضا.
أخي إنما استقام إبدال الآلهة من الإفك لأن المراد بالإفك هو الآلهة المعبودة من دون الله نفسها، وإنما صح الشفعاء لأنه بمعنى الآلهة، وإذا صح الشفعاء هنا بمعنى الآلهة وصح الإفك بمعنى الآلهة المزعومة صح القربان هناك بمعنى الآلهة وبطلت دعوى فساد المعنى.
وفي الختام أؤكد أني لا أخطئ وجه الحال فهو وجه معتبر، ولكني لا أرى تخطئة نصب قربانا على المفعولية بناء على فساد المعنى، بل أرى رجحانه كما رجحه غير واحد من أهل العلم، والله أعلم.
تحياتي ومودتي.
ـ[أبو وسماء]ــــــــ[18 - 09 - 2010, 03:09 ص]ـ
البدلية تصح في نظري في حالة واحدة وهي أن يكون التقدير في (من دون الله): من دون إذن الله، وهذا التقدير في نظري قوي ويمكن الرد به على ابن المنير والزمخشري، ويؤيده: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ) (وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا)
شكرا لك.
ـ[أحمد الفقيه]ــــــــ[18 - 09 - 2010, 03:28 م]ـ
يقول الشهاب الخفاجي في حاشيته عن هذا الإعراب 8/ 35:
((وللشراح فيه كلام طويل الذيل في الكشف، وحاصله أنّ المفعول الأوّل الضمير المحذوف، والثاني آلهة، وقرباناً حال وما عداه فاسد معنى
فقال المطرزيّ، لأنه لا يصح أن يقال تقربوا بها دون الله لأنه تعالى لا يتقرّب به ومعناه ما في الانتصاف أنه يصير الذم متوجها إلى ترك اتخاذ الله متقربا به لأنك لو قلت لعبدك اتخذت فلاناً سيدا دوني فقد وبخته على نسبة السيادة لغيرك، والله تعالى لا يتقرّب به، ولكن يتقرّب إليه،
وهذا معنى ما نقله عن المصنف من أت لا يصح أن يقال تقرّبوا بها من دون الله لأنّ الله لا يتقرّب به، وأنما يتقرّب إليه وأراد أنه إذا جعل مفعولاً ثانيا يكون المعنى فلولا نصرهم الذين اتخذوهم قربانا بدل الله أو متجاوزين عن اتخاذه قربانا لآلهتهم، وهو معنى فاسد،
والاعتراض بأن جعل دون بمعنى قدام، وأنّ قربانا قد قيل إنه مفعول له أي متقرّب له فهو غير مخصوص بالمتقرّب به، وجاز أن يطلق على المتقرّب إليه، وحينئذ يلتئم الكلام غير قادح لأنه مع قلة استعماله لا يصلح ظرفا للاتخاذ،
وأمّا قوله: فهو غير مخصوص بالمتقرّب به فليس بشيء لأنّ جار الله بعد أن فسر القربان بما يتقرب به ذكر هذا الامتناع على أنّ قوله بل ضلوا عنهم في آل عمران، وفي الإيضاح فساده لأنه لا يستقيم أن يقال كان من حق الله أن يتخذ قربانا وهم اتخذوا الأصنام من دونه قربانا كما استقام كان من حق الله أن يتخذ إلها، وهم اتخذوا الأصنام من دونه آلهة، وهو قريب مما مرّ والمصنف رحمه الله جنح إلى أنه يصح أن يقال الله يتقرّب به أي برضاه، والتوسل به والفساد إنما يلزم لو كان معنى من دون الله غيره
أما إذا كان بمعنى بين يديه فلا كما قاله بعض الشراح، وإليه ذهب أبو البقاء، وغيره وفي النظم وجوه أخر من الإعراب فصلها السمين، وأبو حيان فليحرّر هذا المقام فإنه من مزالّ الأقدام.)) أهـ