حرص علماء اللغة العربية القدامى على بيان الشبه بين النون وحروف المد في وجوه عديدة، يقول ابن جني" إن للنون شبهًا بحروف اللين قويًّا لأشياء منها: أن الفئة التي في النون كاللين الذي في حرف اللين، ومنها: اجتماعها في الزيادة معهن، ومعاقبتها لهن في الموضع الواحد من المثال الواحد .. وجعلوها أيضًا علم الرفع في نحو يقومان ويقومون وتقومين كما جعلوا الواو والألف علمًا له في نحو: أخوك
وأبوك، والزيدان، والزيدون إلى غير ذلك مما يطول ذكره " (22).
وقال الثمانيني:" فما أشبهت النون لحروف المد من هذه الوجوه أجروها مجراها، ومع هذا فلابد أن يكون الفرع أنقص من الأصل، ولا يجوز أن يساويه" (23) ويخيل إليَّ أن معاملة العبرية للأفعال النونية الفاء معاملة أصوات المد وراءه هذا الشبه الموجود، والواضح في كثير من ظواهر اللغة العربية. وحين تكثر النونات في الكلمات العربية تبدل النون ياء كما في تظنيت بدلاً من تظننت، وتسنيت بدلاً من تسننت، ومن الأمثلة المشهورة قول العرب إيسان وإنسان وكثيرًا ما تحل الياء محل النون في العبرية، ومن أمثلته ??? و ??? = قام، ??? و ??? = خرج.
وقد خص الدكتور إبراهيم أنيس صوت " النون" بعناية خاصة في كتبه، ومما تفرد بذكره قوله: " يعرض للنون من الظواهر اللغوية ما لا يشركها فيه غيرها لسرعة تأثرها بما يجاورها من أصوات، ولأنها بعد اللام أكثر الأصوات الساكنة شيوعًا في اللغة العربية، والنون أشد ما تكون تأثرًا بما يجاورها من أصوات حين تكون مشكلة بالسكون، حينئذٍ يتحقق اتصالها بما بعدها اتصالاً مباشرًا. (24) وهذا ما شاع في العبرية مع الأفعال النونية الفاء في نحو ????? أعطى فالنون تفنى في الصوت التالي لها، ويعوض عن ذلك بالتشديد فيقال?????? يعطي. ويشيع هذا الفناء بالنون في وسط الكلام في الضمير?????? أنت، ???? = بنت??????= أنثى. ?????? حنطة.
وتتفق اللغتان العربية والعبرية في عدم فناء النون في أصوات الحلق الواقعة بعد النون الساكنة، فالعربية تنطق النون كاللام الساكنة لبعد الحرفين عن مخرج أصوات الحلق مثل: من آمن، من عليم، من حكيم وتلجأ العبرية إلى حذف النون والتعويض بإطالة حركة الصامت السابق عليها، يقال ????? جرى، تدفق، والمستقبل????? يجرى، يتدفق يقول موسكاتي: " في السامية الشمالية تدغم النون التي لا يليها صوت مد بوجه عام، بالصوت الساكن الذي يليها، مثلا: الأكدية indin " أعطى" تصير iddin، والأوغاريتية yupl " يسقط تصير yppl ، والعبرية yins?or " يحرس" تصير yis?so?r، والسريانية nent?or " ينظر" تصير: net?t?or ولا يحدث هذا الإدغام في العبرية قبل سواكن المجموعة الحلقية والحنجرية، إذ إن هذه السواكن لا يمكن أن تضعف" (25).
وقد عاملت العبرية الفعل ????? معاملة الفعل النوني الفاء ??? فحذفوا اللام وعوضوا عنها بتشديد الحرف التالي لها فقالوا ????? يأخذ.
المبحث الثاني: الحذف الصوتي في الفعل المعتل العين
الفعل الذى اعتلت عينه يسمى (الأجوف)، والقاعدة الصرفية المشهورة في الفعل الماضي:"تحركت الواو أو الياء، وانفتح ما قبلها فقلبت ألفًا" وهذه القاعدة تتحدث عن الأصل التاريخي القديم "قَوَل – بَيَع" والتي صارت تنطق "قال – باع".
وعين الأجوف في اللغتين العربية والعبرية يكون صوت مد، هو الواو أو الياء، ويندر وجود صوت الألف كعين للفعل الأجوف في العربية مثل: يخاف، يهاب، وينعدم ذلك في العبرية في الماضي والمستقبل. وقد أشار علماء العربية إلى أن الألف لا تكون أبدًا أصلاً، ولا تكون بدلاً من أصل (26).
ونبدأ حديثنا عن الفعل الماضي الأجوف:
ذهب علماء العربية القدامى إلى أن صيغة فعل من الأجوف تتوالى فيها الأمثال التي تتميز بانفتاحها الشديد مما يؤدي إلى الثقل، فالفعل (قام) أصله ق ـَـ وَـ م ـَـ qawama، والفعل (باع) أصله: بَـ ى ـَـ ع ـَـ baya’a.
¥