تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وعند تفسير قوله تعالى: ("وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ ... " البقرة 14) ضعّف ابن عطية قول من ذهب إلى أن (إلى) بمعنى (مع) أو (الباء) بحجة أن هذا "يأباه الخليل وسيبويه وغيرهما" (23)، وفي قوله تعالى: ("قَالَ مَنْ أَنصَارِيَ إِلَى اللهِ ... " آل عمران 52) يذكر قولاً عن بعض المفسرين يرون فيه أن (إلى) هنا بمعنى (مع)، ثم يعقّب على ذلك بقوله: "نعم، إن (مع) تسدّ في هذه المعاني مسدّ (إلى)، لكن ليس يباح من هذا أن يقال: إن (إلى) بمعنى (مع) حتى غلط في ذلك بعض الفقهاء في تأويل قوله تعالى: ("وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ" المائدة 6) فقال: (إلى) بمعنى (مع)، وهذه عُجْمة، بل (إلى) في هذه الآية غاية مجردة، وينظر هل يدخل ما بعد (إلى) فيما قبلها من طريق آخر" (24)، ولذلك يرى أنه لا حاجة تدعو إلى أن "نجعل حرفا بمعنى حرف، إذ قد أبى ذلك رؤساء البصريين" (25)، ولم يمنعه احترامه البصريين وتقليده إياهم أحيانا، من أن يصف قول الفراء (26): إن (الباء) بمعنى (في) في قوله تعالى: ("فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ * بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ" القلم 5 - 6) بأنه "قول حسن قليل التكلف" (27)، ومع ذلك فإن الصواب – عند ابن عطية- أن "لا نقول إن حرفًا بمعنى حرف، بل نقول: إن المعنى يتوصل إليه بـ (في) وبالباء أيضا" (28)، وكأنّه يحاول الخروج من هذا الخلاف الذي يأبى فيه التّصريح باتّباع الكوفيين، ويستعظم مخالفة البصريين بمصطلح لا يفيد نيابة حرف جر عن آخر، ولا ينكر به تعاقبهما في المعنى، فالوصول إلى المعنى بهذا الحرف وبذاك قد يخرجه من دائرة الخلاف، ولذلك استعمل هذا المصطلح في أكثر من موضع، منها قوله عند تفسيره قوله تعالى: ("فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ ... " إبراهيم 9): إن "وَصْل الفعل بـ (في) عوض وصوله بالباء" (29)، وكذلك قوله: إن "اللام توصّل المعنى توصيل (على) " (30)، في قوله تعالى: ("سَالَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ" المعارج 1) وكذلك قوله عند تفسيره قوله تعالى: ("هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ ... " التوبة 104): يصح أن تكون (عن) "بمعنى (من) وكثيرا ما يتوصل في موضع واحد بهذه وهذه، وتقول: لا صدقة إلا عن غِنًى، ومن غِنًى" (31)،

لكن هذا لا يعتبر قاعدة مطردة بحيث يوصل إلى المعنى الواحد بالحرفين، فـ (على) في قوله تعالى: ("إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ ... " التوبة 93) تحدث اضطرابا في الاطراد – عند ابن عطية- فقد يوصل إلى المعنى "بـ (على) و (إلى) فتقول: لا سبيل على فلان، ولا سبيل إلى فلان، غير أن وصولها بـ (على) يقتضي أحيانا ضَعْفَ المتوصَّل إليه، وقلّة منعته، فلذلك حسنت في هذه الآية، وليس ذلك في (إلى)، ألا ترى أنك تقول: فلان لا سبيل إلى الأمر، ولا إلى طاعة الله، ولا يحسن في شبه هذا (على) " (32)، وكذلك الأمر في قوله تعالى: ("أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُّتْرَكُوا أَن يَّقُولُوا آمَنَّا ... " العنكبوت 2) حيث جاءت " (أن) الثانية في موضع نصب على تقدير إسقاط حرف الخفض، تقديره: بأن يقولوا، ويحتمل أن يقدّر: لأن يقولوا، والمعنى في الباء واللام مختلف، وذلك أنه في الباء كما تقول: تركت زيدا بحاله، وهي في اللام بمعنى: من أجل أن حسبوا أن إيمانهم علة الترك" (33)،

وهذا الاختلاف يعني أن المعاني الدقيقة والأساليب التي تحمل إيحاءات ودلالات غير الدلالات القريبة الظاهرة لألفاظها لا تطّرد معها رؤية أن المعاني يُتوصل إليها بالحرفين، لأن كلّ حرف دلّ على معنى مستقلّ غير المعنى الذي دلّ عليه الآخر، ولذلك نجد ابن عطية في مواضع أخرى يذكر الحرف وما جاء من الحروف الأخرى على معناه، أو يحكيه عن غيره دون مناقشة له أو ردّ، مما يدلّ على موافقته إيّاه، ومن ذلك موافقته المهدوي على أن "الباء بمعنى اللام" (34) في قوله تعالى: ("ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ ... " البقرة 61) وأنها "يحتمل أن تكون بمعنى (مع) " (35) في قوله تعالى: ("وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ... " البقرة 93) وأن (على) بمعنى (في) كما في قوله تعالى: ("وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ ... " البقرة 102) فيصير المعنى عندئذ "في ملك سليمان بمعنى: قصصه وصفاته

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير