في الحقيقة لا أخالفك في بشرية الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه إنسان، وفيه أوصاف إنسانية.
ولكن القول بأن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير وما إلى ذلك إذا كان يتعلق بالأمور الدنيوية فليس من قبيل الوحي، فهل قال به أحد من العلماء ..
أخي الفاضل حياك الله ..
أرجو أن تعفيني من الإتيان بأقوال أهل العلم المعاصرين والسابقين والخلاف الحاصل في هذه المسألة .. ربما يقوم أحد الأخوة بذلك .. ولعلني أتمكن من تلبية طلبك في وقت آخر ..
أخي الكريم ..
ما دام النبي صلى الله عليه وآله وسلم من البشر .. فكلامه الدنيوي الذي كان يتكلمه منذ طفولته وحتى رحيله لم يكن وحياً يوحى ..
ولكن بعد البعثة صار الوحي يأتيه بطرق مختلفة .. فقام بإبلاغ الناس ما أُوحي إليه (ينقل لهم الوحي كما هو حرفياً) .. وأيضاً يبيّن لهم ما أنزل إليه من خلال ما علمه الله وما ألقي في روعه .. وبقي صلى الله عليه وآله وسلم يتكلم بطبيعته البشرية ويتكلم في أمور الدنيا إلى جانب قيامه بتبليغ الوحي وتبيينه للناس ..
وأعتقد أن هذا لا يحتاج إلى إثبات وفتوى .. !
********
يصف الخالق عز وجل نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بأنه (ما ينطق عن الهوى)
ومن يجتهد ويخطئ لا يُعد ممن ينطق عن الهوى ولا يأثم .. بل هو مأجور أجراً واحداً ...
وكذلك الخلفاء الراشدون وصالح المؤمنين لا ينطقون عن الهوى .. ! بل ينطقون عن بصيرة .. وعن وحي أوحاه الله لهم وللأمة (القرآن الكريم) عن طريق النبي صلى الله عليه وآله وسلم ..
ولا يعني هذا أن كل ألفاظهم وأحكامهم منزلة من عند الله .. لكن: القرآن الذي يتلونه ويستنبطون منه ويحكمون به ويدعون إليه هو وحي يوحى وليس من عند أنفسهم ولا من اختراع أهوائهم ..
فتأمل ..
****************
بالنسبة لكلام الشوكاني فتمامه:
" وما ينطق عن الهوى " أي ما يصدر نطقه عن الهوى لا بالقرآن ولا بغيره، فعن على بابها. وقال أبو عبيدة: إن عن بمعنى الباء: أي بالهوي. قال قتادة: أي ما ينطق بالقراءة عن هواه.
بالنسبة للنص المنقول عن الشيخ الشنقيطي فأعتقد أنه قال:
والجواب عن هذا من وجهين: الأول - وهو الذي اقتصر عليه ابن جرير وصدر به ابن الحاجب في مختصره الأصولي إن معنى قوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} أي في كل ما يبلغه عن الله أن هو أي كل ما يبلغه عن الله إلا وحي من الله لأنه لا يقول على الله شيئا إلا بوحي منه فالآية رد على الكفار حيث قالوا إن النبي صلى الله عليه وسلم افترى هذا القرآن كما قال ابن الحاجب.
وقال:
وإن معنى قوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} لا إشكال فيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق بشيء من أجل الهوى ولا يتكلم بالهوى وقوله تعالى: {إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} يعني أن كل ما يبلغه عن الله فهو وحي من الله لا بهوى ولا بكذب ولا افتراء. والعلم عند الله تعالى.
*************************
والنبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يقول إلا الحق .. ولا يحكم بالهوى
ونحن مأمورون بطاعته في كل ما أمر به ..
لكن أوامره إما أن تكون تشريعيه يبلغها عن الله .. وإما أن تكون دنيوية تراعي الواقع وتستند إلى أصول الشريعة ومصالح الأمة ..
مثال لذلك ما جاء في زاد المعاد - الجزء الثالث- فصل [هل الأسلاب مستحقة بالشرع أو بالشرط؟]:
وفي هذه الغزوة أنه قال http://sirah.al-islam.com/media/h2.gif من قتل قتيلا، له عليه بينة فله سلبه http://sirah.al-islam.com/media/h1.gif وقاله في غزوة أخرى قبلها، فاختلف الفقهاء هل هذ السلب مستحق بالشرع أو بالشرط؟ على قولين هما روايتان عن أحمد.
أحدهما: أنه له بالشرع شرطه الإمام أو لم يشرطه وهو قول الشافعي.
والثاني: أنه لا يستحق إلا بشرط الإمام وهو قول أبي حنيفة. وقال مالك رحمه الله لا يستحق إلا بشرط الإمام بعد القتال. فلو نص قبله لم يجز. قال مالك ولم يبلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك إلا يوم حنين، وإنما نفل النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن برد القتال.
ومأخذ النزاع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان هو الإمام والحاكم، والمفتي وهو الرسول فقد يقول الحكم بمنصب الرسالة فيكون شرعا عاما إلى يوم القيامة كقوله http://sirah.al-islam.com/media/h2.gif من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد http://sirah.al-islam.com/media/h1.gif
وقوله http://sirah.al-islam.com/media/h2.gif من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء وله نفقته وكحكمه بالشاهد واليمين وبالشفعة فيما لم يقسم http://sirah.al-islam.com/media/h1.gif
وقد يقول بمنصب الفتوى، كقوله لهند بنت عتبة امرأة أبي سفيان، وقد شكت إليه شح زوجها، وأنه لا يعطيها ما يكفيها: http://sirah.al-islam.com/media/h2.gif خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف http://sirah.al-islam.com/media/h1.gif فهذه فتيا لا حكم إذ لم يدع بأبي سفيان ولم يسأله عن جواب الدعوى، ولا سألها البينة.
وقد يقوله بمنصب الإمامة فيكون مصلحة للأمة في ذلك الوقت وذلك المكان وعلى تلك الحالفيلزم من بعده من الأئمة مراعاة ذلك على حسب المصلحة التي راعاها النبي صلى الله عليه وسلم زمانا ومكانا وحالا، ومن ها هنا تختلف الأئمة في كثير من المواضع التي فيها أثر عنه صلى الله عليه وسلم كقوله صلى الله عليه وسلم http://sirah.al-islam.com/media/h2.gif من قتل قتيلا فله سلبه http://sirah.al-islam.com/media/h1.gif هل قاله بمنصب الإمامة فيكون حكمه متعلقا بالأئمة أو بمنصب الرسالة والنبوة فيكون شرعا عاما؟
وكذلك قوله http://sirah.al-islam.com/media/h2.gif من أحيا أرضا ميتة فهي له http://sirah.al-islam.com/media/h1.gif هل هو شرع عام لكل أحد، أذن فيه الإمام أو لم يأذن أو هو راجع إلى الأئمة فلا يملك بالإحياء إلا بإذن الإمام؟ على القولين فالأول للشافعي وأحمد في ظاهر مذهبهما.
والثاني: لأبي حنيفة وفرق مالك بين الفلوات الواسعة وما لا يتشاح فيه الناس وبين ما يقع فيه التشاح فاعتبر إذن الإمام في الثاني دون الأول.
¥