ويتبين من ذلك: أن الأحاديث النبوية بقسميها:التوقيفى والتوفيقى الاجتهادى الذى أقره الوحى، يمكن أن يقال فيها إن مردها جميعاً بجملتها إلى الوحى، وهذا معنى قوله تعالى فى رسولنا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: {وما ينطق عن الهوى - إن هو إلا وحى يوحى} ..
والحديث القدسى معناه من عند الله عز وجل، يُلقى إلى الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بكيفية من كيفيات الوحى-لا على التعيين، أما ألفاظه فمن عند الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على الراجح ونسبته إلى تعالى نسبة لمضمونه لا نسبة لألفاظه، ولو كان لفظه من عند الله لما كان هناك فرق بينه وبين القرآن، ولوقع التحدى بأسلوبه والتعبد بتلاوته.
ويرد على هذا شبهتان:
الشبهة الأولى:أن الحديث النبوى وحى بالمعنى كذلك، واللفظ من الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فلماذا لا نسميه قدسياً أيضاً؟
والجواب:أننا نقطع فى الحديث القدسى بنزول معناه من عند الله لورود النص الشرعى على نسبته إلى الله بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: (قال الله تعالى، أو يقول الله تعالى) ولذا سميناه قدسياً،بخلاف الأحاديث النبوية فإنها لم يرد فيها مثل هذا النص، ويجوز فى كل واحد منها أن يكون مضمونه معلَّماً بالوحى (أى توقيفياً)، وأن يكون مستنبطاً بالاجتهاد (أى توفيقياً) ولذا سمينا الكل نبوياً وقوفاً بالتسمية عند الحد المقطوع به،ولو كان لدينا ما يميز الوحى التوقيفى لسميناه قدسياً كذلك.
الشبهة الثانية:أنه إذا كان لفظ الحديث القدسى من الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فما وجه نسبته إلى بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: (قال الله تعالى، أو يقول الله تعالى)؟
الجواب:أن هذا سائغ فى العربية، حيث يُنسب الكلام باعتبار مضمونه لا باعتبار ألفاظه، فأنت تقول حينما تنثر بيتاً من الشعر: يقول الشاعر كذا، وحينما تحى ما سمعته من شخص، يقول فلان كذا،وقد حكى القرآن الكريم عن موسى وهارون وغيرهما مضمون كلامهم بألفاظ غير ألفاظهم، وأسلوب غير أسلوبهم،و نسب ذلك إليهم: {وإذ نادى ربك موسى أن ائْت القوم الظالمي - ن .... ) الآيات من سورة الشعراء: 10 - 24)) ا. هـ
ـ[أبو فارس المصباحي]ــــــــ[19 - 10 - 09, 12:02 ص]ـ
هناك ملاحظة مهمة ينبغي التنبه لها:
عندما نقول (ليس كل نطقه وكل كلامه وحي) فهذا لا يعني أن (كلامه ونطقه عن الهوى) .. !
وإنما نقصد أن كلامه ينقسم إلى أنواع متعددة ترجع في نهاية المطاف إلى الوحي مباشرةً أو إلى مقاصد الوحي:
- قول مستمدٌ لفظاً ومعنى من الوحي وليس من اجتهاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم .. وذلك هو (القرآن الكريم)
- أقوال وأفعال من عند الله وبتعليم منه (كـ الصلات والحج والصيام وبقية فرائض الإسلام والمناسك) ليست من اجتهاده صلى الله عليه وآله وسلم ..
- كلام معناه من الخالق عز وجل .. وألفاظه من عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم (الأحاديث القدسية) ..
- توجيهات عامة (أقوال وتصرفات): معناها وألفاظها من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يجتهد فيها استناداً إلى كتاب الله وأحكامه العامة، وهي المتعلقة بأمور دنيوية بحتة كـ الحروب والزراعة والطب والقضاء بين الناس بالظاهر ..
- أقوال وأفعال بشرية جبلية محضة لا يختلف فيها عن أي إنسان آخر .. وليس فيها أي جانب تشريعي أو مجال للاجتهاد ..
***************
هذا نقل عن كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى
للقاضي عياض بن موسى اليحصبي السبتي المغربي
الفصل الثالث: أحواله - صلى الله عليه وسلم - في أمور الدنيا:
هذه حاله في جسمه، فأما أحواله في أمور الدنيا فنحن نسبرها على أسلوبنا المتقدم بالعقد والقول، والفعل.
¥