أنه غرق بدجيل (7). حكاه أكثر من واحد، منهم ابن حبان في مشاهير علماء الأمصار (8).
القول السابع:
أنه غرق ليلة دجيل: ذكره غير واحد، كخليفة ابن خياط، وابن عساكر، والذهبي (9).
القول الثامن:
أنه قتل بدجيل. وقد ادعى فيه محمد بن سعد الإجماع، قال: "وأجمعوا جميعا أن عبد الرحمن بن أبي ليلى خرج مع من خرج على الحجاج مع عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث، وأنه قتل بدجيل" (10).
القول التاسع:
أنه قتل بمسكن (11). حكاه ابن الأثير، وابن خلدون في تاريخهما: " ... وبايع عبد الرحمن خلق كثير على الموت ونزل مسكن". إلى أن قال: " ... فانهزم عبد الرحمن و أصحابه و قتل عبد الرحمن بن أبي ليلى الفقيه وأبو البحتري الطائي" (12).
القول العاشر:
أنه قتل بين يدي الحجاج صبرًا. قال ابن كثير:"عبد الرحمن بن أبي ليلى، روى عن جماعة من الصحابة، ولأبيه -أبي ليلى- صحبة، أخذ عبد الرحمن القرآن عن علي بن أبي طالب, خرج مع ابن الأشعث فأتي به الحجاج فضرب عنقه بين يديه صبرًا" (13). ولم أره لغيره.
القول الحادي عشر:
أنه فقد بمسكن. حكاه خليفة في تاريخه، قال: "افتقد ليلة دجيل بمسكن: عبد الرحمن بن أبي ليلى, وعبد الله بن شداد بن الهاد، وأبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود (14).
القول الثاني عشر:
أنه فُقد بسُوراء (15). أخرجه خليفة في تاريخه عن أبي فروة، قال: "افتقد ابن أبي ليلى بسوراء" (16).
القول الثالث عشر:
إطلاق القول بأنه قُتل مع الخارجين مع ابن الأشعث. قال يحيى بن زياد: قرأت في ديوان الحجاج فيمن قتل مع ابن الأشعث عبد الرحمن بن أبي ليلى مولى الأنصار (17).
هذا ما تحصل من أقوال في وفاة عبد الرحمن، وبعضها متداخل وبعضها هو عين بعض، وإن اختلفت صيغها، وإنما عددتها أقوالاً مختلفة لأن ظاهرها يوهم ذلك.
ويمكن إرجاع هذه الأقوال إلى قولين أساسين:
أحدهما: أن هلاك عبد الرحمن بن أبي ليلى كان في وقعة الجماجم، سواء كان ذلك قتلاً أو فقدًا أو موتًا كما هو القول الثالث والرابع والخامس من الأقوال المتقدمة. فمن قال قتل ثبت ذلك عنده فذكره، ومن أطلق الموت أو الفقد فلكونه لم يثبت عنده القتل.
وثانيهما: أن هلاك عبد الرحمن كان في وقعة "مسكن" وتسمى أيضا "دجيل"، سواء كان ذلك غرقًا في النهر كما هو القول السادس والسابع، أو قتلاً بالمعركة كما هو القول الثامن والتاسع، أو فقدا بها كما هو القول الحادي عشر والثاني عشر.
وبيانه: أن مسكن محلة واقعة على نهر دجيل (18) فبعضهم يذكر المعركة باسم البلدة الذي وقعت فيها، وبعضهم يذكرها باسم النهر الذي توجد البلدة على ساحله. وسوراء قريبة من مسكن فينسب بعضهم المعركة إليها. وقول ابن كثير- وهو القول العاشر- لعله أخذه من أن الحجاج قتل بعد المعركة بمسكن أربعة آلاف أسير صبرًا.
والقول الأول من الأقوال الثلاثة عشرة هو نفس القول الثاني منها، فالمقصود بنهر البصرة نهر الفرات؛ فإن البصرة واقعة عليه عند التقائه بدجلة. فهذان القولان اللذان هما قول واحد في حقيقة الأمر، لابد أن يرجعا إلى القول الأول أو الثاني اللذان أُرجعت إليهما كافة الأقوال؛ بمعنى أن غرق عبد الرحمن لا يخلو أن يكون إما في وقعة الجماجم أو في وقعة مسكن والتي تسمى أيضًا دجيل، وإذا كان المراد بذلك الثاني- أي وقعة مسكن- فهو مشكل جدًا، فإن وقعة مسكن كانت عند دجلة ودجيل لا عند الفرات. وإذا كان المراد به الأول فكذلك؛ لأن الجماجم لم يكن فيها غرق وإنما كان فيها القتل فحسب على ما ذكره أهل السير في أحداثها؛ فإن أحدًا منهم لم يذكر غرقًا لأحد ممن شارك فيها، وإنما ذكروا القتل والغرق في وقعة "مسكن" (19)؛ فالذي يلوح لفهمي القاصر ولعقلي العليل أن هذا القول وهم على كلا الاحتمالين ولعل صاحبه أراد به دجلة لا الفرات. وأما قول ابن حبان: "غرق في دجيل يوم الجماجم". فهو غلط بلا ريب إن كان ظاهره مرادًا، فإن يوم الجماجم غير يوم دجيل وهما معركتان إحداهما في سنة اثنتين وثمانين، والأخرى سنة ثلاث وثمانين في قول بعض المؤرخين، أو هما في سنة واحدة لكن الأولى منهما في جمادى والثانية في شعبان في قول آخرين. وعلى كل تقدير فلا ينبغي أن يضاف غرق عبد الرحمن إلى يوم الجماجم، كما لا ينبغي أن يضاف يوم دجيل إلى يوم الجماجم إلا على سبيل التجوز بأن تُلغى موقعة مسكن أو دجيل ويطلق على
¥