تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما الأسئلة التي يعرفون جوابها لكن النبي (صلى الله عليه وسلم) أجاب بغير ما وقر في أذهانهم فهي كثيرة، منها ما رواه مسلم (46) عن أبي هريرة أنَّ النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: ((أتدرون من المفلس؟ قال: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: إنَّ المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار))

وكذلك ما رواه مسلم (47) أيضاً عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): ((ما تعدون الرقوب فيكم؟ قال: قلنا: الرقوب الذي لا يولد له، قال: ليس ذلك بالرقوب، ولكنه الرجل الذي لا يقدِّم من ولده شيء، قال: فما تعدون الصرعة فيكم؟ قلنا: الذي لا يصرعه الرجال، قال: ليس بذلك، ولكنه الذي يملك نفسه عند الغضب))

فمن هذين المثالين يتضح لنا أنَّ الجواب كان معلوما لديهم، ولكن النبي (صلى الله عليه وسلم) أراد أن يرسخ في أذهانهم المعاني الحقيقية لهذه الكلمات والمصطلحات، ولهذا استخدم أسلوب الإثارة هذا، ليحثهم على التفاعل والمشاركة، ومن ثم الإنصات لما سيقوله النبي (صلى الله عليه وسلم)، وهذا ما كان.

وهناك نوع من طرح الأسئلة، وهو أن يكون المخاطب خالي الذِّهن عن الإجابة، فيكون طرح السؤال عليه من باب تشويقه لمعرفة الإجابة، ومثال ذلك الحديث الّذي رواه البخاري (48) عن زيد بن خالد قال: ((خرجنا مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عام الحديبية، فأصابنا مطر ذات ليلة، فصلّى لنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) صلاة الصبح ثم أقبل علينا فقال: أتدرون ماذا قال ربكم؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، فقال: قال الله: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بي؛ فأما من قال: مُطرنا برحمة الله، وبرزق الله، وبفضل الله، فهو مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مُطرنا بنجم كذا وكذا، فهو مؤمن بالكوكب كافر بي)).

فمن خلال هذا الحديث يتبين لنا أنَّ النبي (صلى الله عليه وسلم)، سألهم عن شيء لا علم لهم به من باب حثهم على التساؤل ومعرفة الإجابة، وهذا ما كان ليتبين أنَّ هذه الوسيلة آتت ثمارها.

المطلب الثالث: التشويق باستخدام أمور خارجة عن السمع والبصر وما يتعلق بهما.

سبق وذكرت أنَّ غالب أساليب التشويق تعود إما للسمع، أو البصر، أو ما يتعلّق بهما، لأنهما الحاستان الأكثر تفاعلاً مع الإثارة، وقصدت من هذا المطلب ذكر أمور خارجة يقصد منها إثارة الانتباه، وذلك كالخطوط والرسوم، كأن يخط النبي (صلى الله عليه وسلم) خطوطاً ويشرح لهم ما المراد منها، وأحياناً كان يرسم رسوماًُ ثم يسألهم عنها وهو يعلم أنَّهم يجهلون ما صنع، وما ذلك إلا ليثير انتباههم لما سيقال، والبعض يجعل هذه الرسوم والخطوط وسائل توضيحية، وهي كذلك، لكنها كانت قبل ذلك وسيلة إثارة انتباه وتشويق لنزع انتباه السامعين واهتمامهم، ومن ذلك ما رواه البخاري (49) عن عبد الله (رضي الله عنه) قال: ((خطَّ النبي (صلى الله عليه وسلم) خطاً مربعاً، وخطَّ خطاً في الوسط خارجاً منه، وخطَّ خططاً صغار إلى هذا الّذي في الوسط من جانبه، وقال: هذا الإنسان، وهذا أجله محيط به، أو قد أحاط به، وهذا الّذي هو خارج أمله، وهذه الخطط الصغار الأعراض، فإن أخطأه هذا نهشه هذا، وإن أخطأه هذا نهشه هذا)).

ومثله ما رواه أحمد عن ابن مسعود قال: ((خطَّ لنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) خطاً فقال: هذا سبيل الله،ثم خطَّ خطوطاً عن يمينه وعن شماله،ثم قال: وهذه سُبل، وعلى كل سبيل منها شيطان يدعو إليه،ثم أصحهما: {وأنَّ هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل {{الأنعام: 153}

ومن أمثلة الرسوم مع السؤال ما رواه احمد (50) عن ابن عباس قال: ((خطَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم) في الأرض أربعة خطوط قال: تدرون ما هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية بنت مزاحم، ومريم ابنة عمران)).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير