2 - أو أنْ يقرَّ بخطأ قوله بإنكار السنة والحديث.
وإلا فكيف يدّعي بطلان السنة جميعاً؛ ثم هو يعود الآن ليقرَّر أحكاماً لا وجود للنصّ عليها إلا فيما أبطله من السنة، أو بإعمال قواعد أصول الفقه في الاستدلال، وهو لا يقرُّ بصحة شيء من ذلك لزوماً؟.
وأما ما في كلام الكاتب من المغالطة؛ فهي دعوى عدم تفاضل العبادات، مع إعراضه عن نصوص القرآن الدالة على ضد ما قرره، فهو يقول: (والعبادات جزء من الدين الذي يتكون من أوامر ونواهي الله التي جاءت في القرآن، ولا ميزة لأمر على آخر، أو عبادة على أخرى، كما لا ميزة للعبادات أو أي منها على أوامر الله الأخرى التي يتكون منها الدين إلا في مخيلة القصاص .. )، هكذا إذاً، فلا فضل لعبادة على أخرى، ولا ميزة لعبادة على أخرى، وكلها بمرتبة واحدة لاتّحاد مصدرها، وهو يقول هذا مهملاً لجملة وافرة من الآيات الدالة على ثبوت التفاضل بين الأوامر الشرعية، فمن ذلك على سبيل المثال:
أ/ قال الله تعالى: (إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتأتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم .. ) (7)، فهذه الآية اشتملت على مفاضلة بين عبادتين اثنتين:
1 - الصدقة في العَلَن: (إن تبدوا الصدقات فَنِعِمَّا هي).
2 - الصدقة في السِّرِّ: (وإن تخفوها .. ).
ثم إنّ الله تبارك وتعالى بيّن أن وقوع عبادة الصدقة في حال السرِّ أفضَلَ وأخيَرَ من وقوع هذه العبادة في حال العَلَنْ: (وإن تخفوها وتأتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم)، فإخفاؤها خير من إبدائها.
ب/ وقال الله تعالى: (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون) (8)، فبين الله تبارك وتعالى أن للدائن مع المستدين المعسر حالتين اثنتين:
1 - أن ينظره، فلا يطالبه بالسداد حالاً؛ مراعاة لإعساره: (فنظرة إلى ميسرة).
2 - أن يتصدق على هذا المستدين المعسر؛ بإسقاط ماله عليه من مال: (وأن تصدقوا خير لكم).
ونص الآية ظاهر على كون التصدق بالعفو والإسقاط أخير وأفضل: (وأن تصدقوا خير لكم)، فصار التعبد لله بالتصدق على المعسرين أفضل من التعبد له بإنظارهم.
فالغفلة عن كل هذه الآيات التي تناقض ما اهتم الكاتب بتقريره، -مع كونه يظهر التعويل الكامل على القرآن فقط دون غيره، ثم هو قد غابت عنه آيات في ذات الباب الذي يستدل عليه- لدليل كاف على حقيقة عنايته بالقرآن الكريم اطلاعاً ومعرفة ودلالة واحتكاماً، فما الحال في شأن اطلاعه على الحديث النبويّ؛ وهو ينكر وجوده ابتداء فضلاً عن حجيته، لا شك أنه سيكون أبْعَدَ عن الاطلاع عليه والعلم به.
- - - - - -
الحواشي:
(1) - الحديث والقرآن 95.
(2) - هود 114.
(3) - الإسراء 78.
(4) - الجامع لأحكام القرآن 9/ 112.
(5) - تفسير ابن كثير 5/ 102، وانظر أيضاً: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للأمين الشنقيطي 5/ 116 - 117.
(6) - انظر بحث: شبهات القرآنيين حول السنة النبوية، إعداد: أ. د. محمود محمد مزروعة، ص 52.
(7) - البقرة 271.
(8) - البقرة 280.
ـ[أبو أويس علي الخطيب]ــــــــ[05 - 10 - 10, 08:07 م]ـ
كيف يمكن الحصول على الكتاب
أفدني وجزاك الله خيرا
ـ[صلاح الزيات]ــــــــ[08 - 10 - 10, 11:28 ص]ـ
حياك الله يا أبا أويس مرة أخرى ...
في الحقيقة كنت أظن أن رابط الكتاب موجود عندي ولكني لم أجده ..
عموماً: ليس ثمت ما يُندم على فواته .. إلا إن كنت تنوي التعقب والرد فقوّاك الله ..
ـ[صلاح الزيات]ــــــــ[08 - 10 - 10, 12:10 م]ـ
المبحث الخامس:
التفسير المتعسف للنصوص
يقول الأستاذ الدكتور خالد الدريس في هذا العيب المنهجي: (يمكن لأي باحث مبتدئ في قضايا التاريخ أن يقع في سوء فهم لبعض العبارات أو المصطلحات الموجودة في النصوص القديمة، ولكن أساتذة المنهجية وضعوا قواعد في فهم العبارات، أوجبوا على كل باحث في التاريخ أن يراعيها، يقول: "لانجلوا" ((ينبغي أن نتعلم كيف نقاوم الغريزة التي تدفعنا إلى تفسير كل عبارات النص بالمعنى الكلاسيكي أو المعنى العادي ... ويقضي المنهج بتعيين المعنى الخاص للكلمات في الوثيقة، ويقوم على بعض مبادئ بسيطة جداً:
¥