تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فيقال فيه: الذي أخبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بهذا الأمر الغيبي هو ذات من أخبره بالقرآن الكريم؛ وهو الله تبارك وتعالى، ولا يمكن لمن سلَّم بكون الوحي نزل بالقرآن الكريم من عند الله تعالى أن ينفي نزول الوحي بالسنة النبوية، وذلك أنَّ الوحي جنسٌ، والقرآن نوعٌ منه، والسنة أيضاً نوعٌ آخر منه، فمن أثبت جنسَ الوحي لَزِمَهُ إثباتُ أنواعه، ولا يستقيم له الحال بإثبات الجنس مع إنكار نوعه الذي هو مضمَّن فيه، ويلزمه بإثباته لنوع من أنواع الوحي الرباني لخلقه أن يقرَّ بنظيره –وهو هنا السنة النبوية-؛ وذلك بنفي الفارق بينهما، من جهة أن كليهما وحي نزل على قلب محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.

وإنما يتمُّ له إنكار السنة بإنكار جنس الوحي، كما قال الله تبارك وتعالى عمن كفر بمحمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من اليهود مع إيمانهم بموسى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: {وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نوراً وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيراً وعُلِّمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون} (5).

و الناس -من أهل القبلة- في هذا الباب على أقسام ثلاثة:

1 - من أثبت الوحي بكل صوره "قرآناً وسنة".

2 - من أنكر الوحي بكل صوره "قرآناً وسنة".

3 - من أثبت الوحي بالقرآن، وأنكر الوحي بالسنة.

وأسعد هؤلاء بالحق، وألزمهم لمقتضى النقل والعقل، وأثبتهم على ساق الاطراد هم أصحاب القسم الأول، وأما أصحاب القسم الثاني فبرغم ضلال مذهبهم وتضمنه لإنكار كل النبوات والأنبياء، إلا أنهم وافقوا العقل من جهة واحدة وهي اطراد القول، وأبعد هؤلاء عن الاطراد؛ وأجفاهم لمقتضى النقل والعقل؛ هم أصحاب القسم الثالث –أصحاب ابن قرناس وشيعته-، الذين أثبتوا شيئاً وأنكروا نظيره، ووافقوا على وقوع شيء وعارضوا وقوع مثيله.

فمُنْزِلُ القرآن (الله جل جلاله) هو مُنْزِلُ السنة، والنَّازِلُ بالقرآن (جبريل عليه السلام) هو النَّازِلُ بالسنة، والمُنْزَلُ عليه القرآنُ (محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -) هو من أُنْزِلَتْ عليه السنة، والنَّازِلُ في القرآن مِنَ الشَّرَائِعِ –في الجملة- عَيْنُ النَّازِلِ في السُّنة منها، وبرغم كل ذلك إلا أنهم آمنوا –تجوُّزاً (6) - بالقرآن وكفروا بالسنة.

وآيات وجود سُنَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - -إجمالاً- عظيمةٌ كبيرةٌ باهرةٌ؛ والعلمُ بنَقْلِها قَطْعِيٌّ، لكثرة النَّقَلَة واختلافِ أمْصَارِهِم و أعْصَارِهِم، واستحالةِ تواطُئِهِم على الكذب، فالعلمُ بآياتِ صِدْقِ وُجُودِ سُنَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كالعلمِ بِنَفْسِ وُجُودِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وظُهُورِهِ و بَلَدِهِ؛ بحيثُ لا تُمْكِنُ المُكَابَرَةُ في ذلك، والمكابِرُ فيهِ في غَايَةِ الوَقَاحَةِ والبَهْتِ، كالمكابرة في وُجُودِ ما يُشَاهِدُهُ الناسُ ولم يُشَاهِدْهُ هُوَ مِن البلاد و الأقاليم و الجبال و الأنهار، فإنْ جَازَ القَدْحُ في ذَلك كُلِّهِ؛ فالقدحُ في وجود الأنبياء كعيسى وموسى عليهما السلام، وآياتِ نُبُوَّتِهِمَا أَجْوَزُ و أَجْوَز، وإنْ امتَنَعَ القدحُ فيهما -عليهما السلام- وفي آياتِ نُبُوَّتِهِمَا فامتِنَاعُهُ في وجود سُنَّةِ محمدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وآياتِ نُبُوَّتِهِ أَشَدُّ (7).

ومن هنا فإن الإيمان بكون الله تبارك وتعالى هو الذي أعلم محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بهذا الغيب المذكور في الحديث: ليس من المستعصيات الفكرية التي توجب الوقوف عندها للسؤال، وما معنى إقرار الكاتب بكون النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هو رسول من عند الله؛ إذا كان لا يفهم أن الله تبارك وتعالى يوحي لنبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بالأحكام الشرعية والأخبار الغيبية، التي تدل على كونه رسول من عالم الغيب والشهادة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير