تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأما في خلافة عثمان بن عفان1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -؛ فقد روى ابن سعد في الطبقات بإسناده عن عمرو بن دينار: (أن أهل المدينة كلموا ابن عباس أن يحج بهم، فدخل على عثمان، فأمره، فحج، ثم رجع، فوجد عثمان قد قتل) (7)، وهذا كله ظاهر في الدلالة على أنّ ابن عباس1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - قد ظهرت مكانته في العلم في مرحلة متقدمة، وسواء كان ذلك أو لم يكن؛ فهذا لا أثر له في ثبوت دلالة الخبر، إذ إن ابن عباس1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - -في الحديث الذي معنا- ناقل لا منشئ كما سيتضح.

ثم على فرض التسليم بكون ابن عباس1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - إنما عرف بالعلم واشتهر في مرحلة متأخرة؛ فإن "ابن قرناس" قد أَكَدَّ نفسه بالتأمل في كيفية إبطال القصة فقط؛ فتشاغل في سبيل ذلك بمعرفة سنِّ ابن عباس1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - .. الخ، ولم يكلِّف نفسه إكمال قراءة بقية الحديث، والذي جاء فيه دواء عيِّه وجواب سؤاله، وبيان أنّ تسمية صاحب موسى -عليه السلام- لم تكن تكهناً من ابن عباس1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - ولا رجماً بالغيب، وهو قوله في الحديث: (فَمَرَّ بِهِمَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ فَدَعَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ .. هَلْ سَمِعْتَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَذْكُرُ شَأْنَهُ؟، قَالَ: نَعَمْ؛ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُولُ: بَيْنَمَا مُوسَى عليه السلام فِي مَلإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: هَلْ تَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْكَ قَالَ مُوسَى لا، فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى مُوسَى: بَلَى عَبْدُنَا خَضِرٌ .. ) (8).

فالحديث فيه أنّ تسمية صاحب موسى -عليه السلام- بالخضر؛ جاءت مرفوعة للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فيما يرويه عن ربِّه -تبارك وتعالى-، وهو - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - (ما ينطق عن الهوى إنْ هو إلا وحي يوحي)، ومجيء الرواية المرفوعة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من طريق أبيّ بن كعب1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -؛ يدل على ابن عباس1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - كان قد سمعه من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، أو أُخبر من أحد الصحابة -رضي الله عنهم-، فتكلم في المسألة بناء على هذا العلم السابق، ثم أراد التثبت في ذلك من أبيِّ بن كعب 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -؛ فلا هو برجم بالغيب ولا تخرُّصٌ، ولا هو كلام بغير علم كما أحب أنْ يظهره "ابن قرناس".

ثم لاحظ إشارة الكاتب الماكرة، والتي أدرجها ضمن كلامه؛ فتسلَّلَتْ بين ثنايا كلامِهِ كما يتسلل الصِّلُّ بين أَحْرَاجِ التِّبْن؛ فقال: (وقصص الأمم السابقة إذا لم ينزل بها قرآن على الرسول فهي من أنباء الغيب التي لا يعلمها)؛ فجعل سبيل علم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بالأخبار والقصص مصدره الوحيد هو القرآن الكريم فقط، ويلزم على قوله هذا إحدى بَوَاقِع ثلاث:

1 - أنَّ كل ما أوحى الله تعالى به إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من قصص الأنبياء فهو قرآن، وعليه فأحاديث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - التي قصَّ فيها أخبار الأنبياء وأممهم كلها داخلة في مسمى القرآن، وهذا ما لم يقل به أحد، ولا يروق للكاتب أصلاً، وهو قد فرَّ من إثبات ما هو دونه.

2 - أنَّ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يوح إليه شيء غير القرآن، وهذا إبطال لأكثر الشريعة -التي يتعبد بها "ابن قرناس"- ولا وجود لتفاصيلها في القرآن الكريم.

3 - أنَّ كل ما أخبر به النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مما أطلعه الله عليه من أخبار الأمم السابقة؛ ولم ينزل فيه قرآن فهو باطل؛ لأنه غيب والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لا يعلم الغيب!، وهذا تحكُّمٌ وتناقضٌ، فمصدر العلم واحدٌ وهو (الوحي)؛ أفيكون إذا جاء في القرآن فهو مقبول، وإذا جاء في كلام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فهو مردود!!.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير