تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أحسنت أخي حفيظ التلمساني السلفي، والواقع أن ما أشرت إليه هو لون من ألوان الهوى الذي قد يستلجّ بصاحبه حتى لا يدع منه مفصل إلا دخله، فيغلق منه منافذ العلم فلا ينتفع بقلب ولا سمع ولا بصر، نسأل الله أن يسلمنا جميعاً والمسلمين من كل سوء.

ـ[صلاح الزيات]ــــــــ[12 - 11 - 10, 12:34 ص]ـ

الحديث الخامس:

(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ ابْنُ الْأَصْبِهَانِيِّ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: {إِنَّمَا سُمِّيَ الْخَضِرَ أَنَّهُ جَلَسَ عَلَى فَرْوَةٍ بَيْضَاءَ فَإِذَا هِيَ تَهْتَزُّ مِنْ خَلْفِهِ خَضْرَاءَ}) (1).

لما أورد الكاتب هذا الحديث قال: (وقد اختُلِقَ هذا الحديثُ فقط لكي يُورِدَ سبباً لاسم الخَضِر، الذي اختلق ليكون اسماً لصاحب موسى، وإلا لا يمكن أنْ تتحوّل الفروة البيضاء إلى خضراء لأنّ شخصاً جلس عليها .. ) (2)، وظاهرٌ محاكمةُ الكاتبِ الحديثَ الشريفَ إلى المقرَّر السابق الذي ارتسم في ذهنه، فقد هَجَمَ على الحكم على هذا الحديث بأنه "مختلق"، وكرَّر هذا الحكم مرَّة أخرى بعد أقل من عشر كلمات، دون أنْ يورد دليلاً علميّاً واحداً على دعوى الاختلاق والكذب.

ثم لما رجع ليبين السبب الذي حمله على الحكم بكون الحديث مختلق؛ جاء بضُحْكَةٍ تدل على عجمة في الفهم؛ فقال: (لا يمكن أنْ تتحول الفروة البيضاء إلى خضراء لأن شخصاً جلس عليها)!، إذ إنّ الحديث يتكلّم عن شخص معيّن له وصف مُحدّد (الخَضِر عليه السلام)؛ و"ابن قرناس" يطلق قيود الكلام ويُعَمِّمُ مَعْنَاهُ ليجعله (شخصاً) أيَّ شخص!.

ثم هو هنا لم يبيِّن لنا ما معنى كلمة "الفروة" في الحديث؛ حتى يظهر لنا هل يمكن أنْ تتحوَّل إلى خضراء أم لا؛ وأنا يختلج في قلبي شعور أكاد أجزم بمقتضاه؛ وهو أنَّ "ابن قرناس" أصلاً ما فهم المراد بـ"الفروة" على الوجه الصحيح، وأنه لما سمع في الحديث كلمة "فَرْوَة" قَفَزَ إلى ذهنه "الفَرْوَةَ" التي يطلقها العامَّة في بلادنا على نوع من البرود والجِبَاب، وبطبيعة الحال فليس هذا هو المعنى الذي أراده النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في الحديث، وإنما عنى بـ"الفروة": الأرض القاحلة أو الأرض التي يبس نباتها حتى تهشَّم، وفي كتاب لسان العرب يقول ابن منظور: (الفَرْوَة: الأَرض البيضاء التي ليس فيها نبات ولا فَرْش، وفي الحديث: أَن الخَضِر عليه السلام "جلس على فَرْوة بيضاء فاهتزت تحته خَضْراء"، قال عبد الرزاق: أَراد بـ"الفَرْوة" الأَرضَ اليابسةَ، وقال غيره: يعني الهَشيم اليابس من النَّبات شَبَّهَهُ بالفَروة؛ والفَروةُ: قطعة نبات مجتمعة يابسة) (3).

وبناء على تفسير الفروة بهذا المعنى: فهل يمكن لفروةٍ من الأرض يابسةٍ كهذه أن تتحوَّل إلى خضراء بمجرّد جلوس الخضر -عليه السلام- عليها؟، الجواب: أما عادةً فلا؛ وأما على سبيل الإعجاز فَنَعَمْ، والعقل لا يُحيل هذا ولا يمنعه، والنقلُ دلَّ على وقوعه وتحقُّقه كما في الحديث، وإنْ كان ذلك خلاف العادة.

والله تعالى قد ذكر في كتابه أسباباً لحياة الأرض فقال تعالى: {وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج}، وقال تقدَّس وتعالى: {ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت}، وقال: {والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكداً}، فالأرض اليَبَس يَقْلِبُ اللهُ حالها إلى خضراء ناضرةٍ بأسباب يشاؤها تبارك وتعالى، كالمطر المغيث وهذا هو الأصل في ذلك، وقد يقدِّر الله تعالى حصول المسبّب بغير سببه المعتاد لإثبات كمال ربوبيته وقدرته, فهو خالق الأسباب ومسبّبَاتها، وهذا الحديث الذي بين أيدينا يبيّن فيه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنّ الله تعالى جعل جلوس الخضر -عليه السلام- على الأرض القاحلة سبباً لعود مُصْفَرِّ نَبَاتِها إلى خُضْرَتِه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير