الحديث الثاني: وروى لأوس بن عبد الله الربعي عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم " يستفتح الصلاة بالتكبير. والقراءة، بالحمد لله رب العالمين، وكان إذا ركع لم يشخص رأسه، ولم يصوبه ولكن بين ذلك، وكان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد، حتى يستوي قائما، وكان إذا رفع رأسه من السجدة، لم يسجد حتى يستوي جالسا، وكان يقول في كل ركعتين التحية، وكان يفرش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى، وكان ينهى عن عقبة الشيطان. وينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع، وكان يختم الصلاة بالتسليم.
بيد أن ابن عبد البر وابن عدي جزما بإرساله عنها، وكذا البخاري في التاريخ على ما فسر ابن عدي. فانظر تحفة التحصيل مع الحاشية ص 32.
وأوس بصري وعائشة مدنية. والحديث وإن كان لبعض فقراته شواهد فإن فيه أحرفا اختلف فيها الفقهاء كالبداءة بالحمد لله رب العالمين من دون بسملة.
هذان مثالان على السبيل التمثيل لا الحصر يفيدان بأن مسلما لم ير في قرينة تباعد البلدان ما يمنع من السماع واللقاء، فالمعنى من إمكانية اللقاء عنده عدم استحالته، والله أعلم.
فإقحام قرينة تباعد البلدان في الأدلة البينة دل الدليل على عدم صحته، والشيخ رغم اطلاعه على رسالة الدكتور خالد الدريس، وما احتج به في المسألة لم يناقشه البتة بل أجاب إجابة عامة: وهي أن ما أعل في مسلم لا يعدو كونه اختلاف اجتهاد أو هو وارد مورد الاستشهاد، أو أخرجه ليبين علته، وكان الأجدر بالشيخ في رأيي أن يناقش أدلة الدكتور لأنه (خالد الدريس) يرى صنيع مسلم في هذه الحالة مخالفا لأئمة النقد، والشيخ حاتم يثبت موافقة مسلم للأئمة النقد في المسألة فالظرف ملائم تماما ولا يكفي التلميح فقط، و إما أن يسلم بأن قرينة تباعد البلد ليست ضارة عند مسلم، سيما وأن استقراء صنيع إمام ما لتفسير أقواله طالما حفل به الشيخ واستدل به [4] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftn4).
إذا اتضح هذا قلنا صدق الشيخ حاتم إذ يقول: هناك اختلاف اجتهاد، واختلاف الاجتهاد هذا هو بين الإمام مسلم وغيره من الأئمة في هذه الجزئية – قرينة تباعد البلدان.
نتائج البحث:
- المقصود بالدلالة البينة عند الإمام مسلم هي المنافية تماما لاحتمال اللقاء والسماع، كأن يصرح الراوي بأنه لم يلق فلانا، أويخبر بذلك أحد تلامذته، وما كان من هذا الضرب من الدلائل، أما في حال القرائن التي قد تضعف احتمالية السماع ولا تنافيه من كل وجه، فإن الإمام مسلما تعامل معها على التفصيل التالي:
إن كانت القرينة تباعد البلاد، فإنها في رأي مسلم لا تنافي بينها وبين احتمال اللقاء لأن شهرة المحدثين بالرحلة في طلب الحديث إذا انتفى التدليس وكانت الصيغة المستعملة محتملة للسماع مقوية لجانب السماع عنده، ورأينا كيف خرج أحاديث من هذا النوع في الأصول.
أما إن كانت قرينة إدخال الوسائط، فإن مسلما في هذه الحالة يتطلب السماع ولا يرضى بمجرد العنعنة، فإن قيل: إن قرينة إدخال الوسائط لا تنافي احتمال السماع من كل وجه، فلعل الراوي سمع من الطرفين فلم فرق مسلم بين المتماثلين، قلنا: إنما فعل مسلم ذلك لأنه رأى أئمة النقد يتطلبون السماعات في مثل هذه الحال ولا يتطلبونها في الحالة الأولى كما حكى هو، وذلك لأجل احتمال التدليس في هذه دون الأولى كما يأتي توضيحه، فإن قيل: سلمنا لكن الحالة الأولى يتطرق إليها احتمال الإرسال، قلنا: فإن مسلما يرى أن الإرسال يتطرق لهذه كما يتطرق للتي ثبت فيها السماع واللقاء أيضا، فليزم على إعمال هذا الاحتمال التوقف في المعنعنات حتى ولو ثبت السماع في الجملة ومادام اللازم باطلا في تلك فهو باطل في هذه ولافرق، والله أعلم.
- صنيع مسلم مع بعض القرائن لا يشبه صنيع غيره من الأئمة، وذلك أنه لا يرى قرينة تباعد البلدان مانعة من الحكم بالاتصال والله أعلم.
فصل:
قد وعدت بأن أفرد فصلا يوضح السبب الذي من أجله راعى الإمام مسلم قرينة إدخال الوسائط وقدمها على غيرها.
فأقول بحول الله وقوته: إذا روى راو عن شخص ما ثم روى عنه بواسطة فإما أن يكون ثبت له السماع في الجملة أولا، والحالة الأولى لا تهمنا كما هو ظاهر.
تبقى الحالة الثانية – أعني أنه لم ثبت له لقاء ولا سماع - وهي تحتمل أمرين:
¥