تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن تأمل حال أئمة الجرح والتعديل من المتقدمين لوجد أنهم لا يعتدون بأقوال العجلي ويضربون عنها الذكر صفحاً، كأنها لم تكن. وإنما قام بعض المتأخرين باستعمال أقواله إذا وافق الحديث مذهبهم، لكن إذا خالفه، تجاهلوا قول العجلي كما كان يفعل المتقدمون. وهذا ما تجده عند ابن الجوزي، حيث غالباً ما يتجاهل قول العجلي ويحكم على الرواة بالجهالة، إلا في أحيان قليلة فتجده ينكر على الدارقطني تجهيله لراو بحجة توثيق العجلي له (رغم أن الدراقطني مسبوق بحكمه بالجهالة).

وقد اضطرب المتأخرون كثيراً في شأن من لم يوثقه إلا العجلي وابن حبان. وسبب اضطرابهم هو قاعدة فلسفية واهية أخذوها من المتكلمين. قالوا: توثيق الإمام مقدم على جهل غيره من الأئمة لأن مع الموثق زيادة علم. كذا قالوا بإطلاق! ولا ريب في أن إطلاق هذا مخالف للعقل والواقع ومخالف لمنهج الأئمة المتقدمين. فإن الأئمة يختلفون مع بعضهم البعض في معايير التوثيق. فتجدهم أحياناً يختلفون في حكمهم على الراوي مع أنه ليس لواحد منهم زيادة علم على الآخر، كما تجده أحياناً في اختلاف الرازيين أو في اختلاف ابن مهدي مع القطان. وهذا راجع لاختلاف الاجتهاد وليس سببه جهل من الإمام أو زيادة علم من الإمام الآخر! فلذلك تجد إماماً كالذهلي يقول إن رواية ثقتين عن المجهول تكفي لرفع الجهالة عنه، بينما إمام آخر كأبي حاتم يرى أن هذا بإطلاق غير كافٍ فيحكم على الرجل بالجهالة. ولا يُقال أن أحدهما عنده زيادة علم على الآخر. ومثال هذا عند الأئمة المتقدمين ما قاله ابن عدي في الكامل (4

298): «إذا قال مثل ابن معين (عن رجل) "لا أعرفه"، فهو غير معروف. وإذا عرفه غيره، لا يعتمد على معرفة غيره، لأن الرجال بابن معين تُسبَرُ أحوالهم». طبعاً يستثنى من هذه القاعدة من كان في طبقة ابن معين خاصة من المصريين.

والعجلي قد أدركه أغلب نقاد الحديث، وقد توفي بنفس السنة التي توفي بها مسلم (عام 261هـ). ومن تأمل أحوال الرجال، لوجد الأئمة المتقدمين قد أطلقوا الجهالة على عدد كبير جداً ممن وثقهم العجلي، رغم معرفتهم بلا شك بقوله. لكن لما عرفوا مذهبه في توثيق من لم يرو عنه إلا واحد حتى لو لم يكون عنده علم عن هذا الرجل (أي كما هو مذهب ابن حبان)، لم يعتدوا بقوله لأنه ليس فيه أن معه زيادة علمٍ عليهم. وقد عاش في بغداد عاصمة المحدّثين، قبل أن ينتقل إلى طرابلس في ليبيا. وقد ذكر أنه دخل على أحمد وهو محبوس في محنته. والنقاشات العظيمة بين أهل الحديث قد حدثت قبل ذلك الزمن، لأنه حصل وحشة بين أحمد وبين ابن معين وابن المديني بسبب موقفهما من الفتنة. فأين كان العجلي عن تلك المجالس التي يجتمع فيها الكبار أمثال أحمد والشاذكوني وابن المديني وابن معين وغيرهم من كبار الحفاظ فيتذاكرون الحديث ويتناقشون في علل الحديث؟ وكثير من هذه المجالس نقلها الخطيب والحاكم وأصحاب السؤالات وغيرهم، فلم نجد في أحد منها ذكراً للعجلي!

ثم ما يزال الطلاب يسألون الحفاظ عن رواة الحديث ويذكرون لهم أحكام غيرهم، فما كان أحد يذكر قول العجلي وهو بلديهم يعيش بينهم. وأين من جمع المصنفات في أقوال الرجال، لم يذكر أقوال العجلي؟ إن قلت إن كتابه لم يصل إليهم، نعم لم يصل، لكن العمدة في نقل هذا على من يسأله لا على الكتب. ولم يكن لدى ابن معين أو ابن نمير أو ابن حنبل كتباً في الجرح والتعديل، بل كانت هناك كتب مسائل جمعها طلابهم من أسئلتهم إليها. فعدم وجود الكتاب لا يمنع من نقل أقواله إن كانت موجودة. ومعلوم أن العجلي كان قد اكتمل علمه في الحديث وأتم رحلاته قبل زمن المحنة بزمن. وقد كان بينهم بكامل علمه فما كانوا يسألوه ولا يذكرون أقواله، مع أنهم ذكروا قوماً كانت عقيدتهم وأحوالهم سيئة كالشاذكوني ثم ابن خراش وابن عقدة لاحقاً وأمثالهم. وكان هو بريئا من البدع صالح السيرة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير