تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وراح حنفي يبشر ويحتفي بسلطة العقل على النقل دونما تأصيل عقلاني لمبررات هذه السُّلطة، وعليه فقد افترض سلفاً أنَّ قوة العقل تفوق قوة النَّصّ لأن النَّصّ في رأيه "لا يثبت شيئاً بل هو في حاجة إلى إثبات، في حين لا يقف شيء غامض أمام العقل، فالعقل قادر على إثبات كُلّ شيء أمامه أو نفيه". وبفضل هذا الاجتهاد الغريب " أصبح النَّصّ مجرد صورة عامَّة تحتاج إلى مضمون يملؤها" ([40] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftn40)).

وتكمن خطورة هذا التحليل في ثلاثة قضايا: أولها: أن أحاديث الصحيحين كلها ظنية سنداً ومتناً. الثانية: العقل أساس فهم نصوص الصحيحين. الثالثة: جعْل الواقع أساس الجميع.

وتخالف هذه القضايا الثَّلاثة ما اتفق عليه جمهور المسلمين قديماً وحديثاً؛ فقد اتفقوا على وجود قطعي الدلالة في الصحيحين؛ كالنُّصّوص التي تبيّن أعداد الركعات في الصلوات، وعدد الصلوات، ومقادير الزكاة وغيرها، واتفقوا على جعل النقل أساس العقل ([41] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftn41)). واتفقوا على أنَّ الواقع معتبر في الشَّريعة بشرط عدم معارضته للنقل، فضلاً عن أن العقل باتفاق العقلاء ليس كاشفاً مطلقاً عن الحقائق كما زعم حنفي، وإلا فكيف يُفسر الغيبيات، والمشكلات العقلية التي طالما بقيت دون تفسير على مدى الزمان؟، وكيف يعترف بالتطور الثقافي والفكري الإنساني؟، دون أن يسبق هذا التطور قصور وعجز فكري عند السابقين، وكيف سيفسر ما سيكتشفه العقل لاحقاً من الخطأ والزلل العقلي والمنطقي الذي هو واقع في عصرنا الحاضر؟!.

وما يُستغرب حقاً أن حسن حنفي تجاهل التاريخ الإسلامي برمته وما أنجزه اتباع النص من الحضارة والتقدم، وجعل النص مصدر التخلف مطلقاً، وأساس الرجعية دائماً فادعى أن "أولوية النَّصّ على الواقع تعطي الأولوية للنص على التجديد، وللماضي على الحاضر، وللتاريخ على العصر ... ، يرجع التَّاريخ إلى الوراء لأنه ما زال يعتمد على سلطة الوحي، وأمر الكلمة، وما زال يتطلب الطاعة المطلقة لمجرد الأمر" ([42] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftn42))، وبناء عليه رتب مصادر الشريعة بطريقة منكوسة، فقال: "ترتيب الأدلة الأربعة: القياس، ثُمَّ الإجماع، ثُمَّ السُّنَّة، ثُمَّ الكتاب، فعلى الإنسان أن يجتهد رأيه فإن لم يجد ففي إجماع الأمة، حاضراً أو ماضياً، فإنْ لم يجد فعليه بالسُّنَّة ثُمَّ الكتاب". وفي رأيه "فالأدلة الأربعة كلها ترتكز على الدليل الرابع، دليل العقل، وبالتالي كانت الأولوية للدليل العقلي على دليل النقل". ولاحظ حنفي أنَّ "الترتيب التقليدي للأدلة ابتداء بالقرآن فالحديث فالإجماع فالقياس يجعل الهرم قائماً على قمته، والمخروط مرتكزاً على رأسه" ([43] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftn43)).

القاعدة الرابعة: الطعن في طريقة تدوين الصحيحين:

إن مقدمات ما قاله الحداثيون عن القرآن، دفعتهم -ومن باب أولى- أن يتجرأوا على الصحيحين، والزعم بأن الظروف السياسية وأوضاع المجتمعات التي انتشر فيها الإسلام احتاجت إلى أحاديث جديدة تحاكي متغيراتها وتعالج أحكامها يقول محمد أركون: "إن السنة كُتبت متأخرة بعد موت الرسول -صلى الله عليه وسلم- بزمن طويل وهذا ولَّد خلافات لم يتجاوزها المسلمون حتى اليوم بين الطوائف الثلاث السنية والشيعية والخارجية، وصراع هذه الفرق الثلاث جعلهم يحتكرون الحديث ويسيطرون عليه لما للحديث من علاقة بالسلطة القائمة ... وهكذا راح السنة يعترفون بمجموعتي البخاري ومسلم المدعوتين بالصحيحين" ([44] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftn44)).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير