تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهذا كله يفسر ما تواصى به القوم من إسقاط لحجية السنة، واستبعادها عن تنظيم حياة البشر، فضلاً عن اعتبارها مصدراً للأحكام والقوانين التي يؤمن بها المسلم.

ثم يضعنا مصطلح "التُّراث" –كما يسمونه- في مغالطة وجودية وفكرية حينما يفترض أنَّ السُّنَّة مجرد نص يمكن إخضاعه للنقد وبالتالي يمكن قبوله أو رفضه، وهذا ما جعل محمَّد شحرور يؤكد بكل جرأة أنَّ "السُّنَّة النَّبويَّة، أي ما فعله وقاله وأقره النَّبيّ الكريم (ص) ليست وحيا"ً، وراح يستدل على ذلك بقضايا لغوية وعقلية أبعدته عن جادة الصواب. وإنَّ أخطر ما توصلت إليه دراسة شحرور حول السُّنَّة هي وصفها بالتاريخية، وأنها كلها اجتهاد من طرف النَّبيّ-صلى الله عليه وسلم-، وأنَّ عدالة الصحابة وإجماعهم أمر يخص الصحابة وحدهم، وأنَّ ما قيدته السُّنَّة يمكن إطلاقه مرة أخرى مع تغير الظروف الموضوعية، وأنها -أي السُّنَّة- اجتهاد في حقل الحلال يخضع للخطأ والصواب، وبالتالي فإنَّ ما تأتي به السُّنَّة ليس شرعاً وإنما هي قانون مدني يخضع للظروف الاجتماعية ([61] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftn61)).

ويستغل شحرور المواضيع المثارة في الدِّراسات الإسلامية حول السُّنَّة والمتعلقة بقضايا شبيهة بما ذكره ولكنها ليست ضمن الإطار الذي يريد هذا الكاتب وضع السُّنَّة فيه؛ فقد فرقت الدِّراسات الإسلامية العلمية حول السُّنَّة بين السُّنَّة التشريعية وغير التشريعية، وبين تصرف النَّبيّ -صلى الله عليه وسلم- كرسول وقاضٍ وإمام، ونبهت إلى بشريته -صلى الله عليه وسلم- التي لا يوافقها الوحي أحياناً حينما تجتهد تحت شعار "أنتم أعلم بأمور دنياكم" ([62] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftn62))، وأكدت أنَّ النسخ في السُّنَّة حاصل للتدرج في التشريع والتيسير على المكلفين ([63] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftn63)).

إلا إن خطأ شحرور يكمن في منهجه التعميمي الذي جعل من القضايا السالفة الذكر السمة الغالبة للسُّنَّة النَّبويَّة، وهو بالتالي يستدل بالجزء على الكل، ويستنبط دون وجود أدلة كافية تشكل قاعدة للاستنباط، وغريب منهج الحداثيين أنهم يفرقون بين محمَّد -صلى الله عليه وسلم- كنبي ومحمَّد كرسول، إذ نقرأ هذا في نص جريء، يقول فيه شحرور: "ومن هنا فنحن لا نجد في التنزيل الحكيم أمراً بطاعة محمَّد البشر الإنسان، ولا أمراً بطاعة محمَّد النَّبيّ، بل نجد أكثر من أمر بطاعة محمَّد الرَّسُول، لماذا؟ لأن الطاعة لا تجب إلاَّ لمعصوم، ومحمَّد الإنسان ليس معصوماً، ومحمَّد النَّبيّ ليس معصوماً، ومحمَّد الرَّسُول هو المعصوم في حدود رسالته حصراً الموجودة في التنزيل". ويخلص إلى أنَّ "النبوة تحتمل التَّصديق والتكذيب"، ويحصر شحرور عصمة الرَّسُول في تبليغ الذكر الحكيم، وعدم الوقوع في الحرام وتجاوز حدود الله ([64] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftn64)).

وبناء عليه فإن طرح شحرور هذا يقتضي أمرين أساسين: أولهما: قصر السُّنَّة على مجرد نقل الوحي إلى البشر دون تمتعها بصلاحية تبيينه وتفسيره. وثانيها: مساواة النبي محمَّد -صلى الله عليه وسلم- في اجتهاده بباقي البشر.

أمَّا الأمر الأوَّل فهو انتقاص لدور الرَّسُول الذي يرى شحرور أنه يتمتع بالعصمة بوصفه رسولاً لا نبياً، فما قيمة رسول معصوم إذا كان يلعب دور آلة اتصالية مبرمجة سلفاً لنقل خطاب من المخاطِب إلى المخاطَب دون أن تُعطى لها صلاحية البيان؟!.

وهنا يتصادم شحرور مع منطوق قول الله تعالى: {وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى}، ومفهومه على حد سواء، كما يخرج عن دلالات كثير من الآيات المماثلة، بل وما تواتر عن الرسول –صلى الله عليه وسلم- من ذلك كذلك، ولم يجد شحرور أو غيره ما يعاضد قولهم الشاذ هذا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير