تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولا بد هنا من التساؤل ما إذا كانت آليات تفكيك الخطاب الديني والبشري تتصف بالعلمية، وهل هي مجمع عليها؟ وهل نجحت في نقد الخطاب الديني وقراءته قراءة إيجابية؟ وهل الخطاب الديني بالضرورة معادٍ للحداثة بحيث يحتاج إلى تفكيك وتركيب؟ وهل بالضرورة وضع التراث والحداثة في إطار عدائي لا يتصور الجمع بينهما؟ إن الذي يراجع تطور علم الألسنيات في الغرب ويتأمل في الهرمنيوطيقا التي استخدمت في نقد النصوص الدينية يخلص إلى القول إن النظريات "السيمانتية" ([83] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftn83)) و"البراغماتية" ([84] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftn84)) لم تصل بعد إلى مستوى تحليل أي خطاب ديني فضلاً عن نقده أو تفكيكه. فالبعد البراغماتي في اللغة يحرص على بيان علاقة اللفظ باستعماله في زمان ومكان محدد، أي سلطة الزمان والمكان على النص الديني ([85] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftn85)).

بينما في المفهوم الإسلامي، الخطاب الديني المتمثل في القرآن والسنة غير خاضع لهذه السلطة إلا ما تقتضيه متطلبات تنزيل النص على الواقع. ذلك لأن الزمان والمكان مخلوقان بينما خطاب الوحي صفة من أوصاف المخاطِب وهو الله سبحانه وتعالى، وهو متعال عن سلطة الزمان والمكان.

القاعدة الثالثة: الخطاب النبوي حجاب (بواطنه مباينة لمنطوقه):

بما أنَّ النَّصّ النبوي "لا يقول الحقيقة بل يخلق حقيقته" في نظر الحداثيين، فإنه ينظر إليه من طرف هؤلاء على أنه حجاب، ولا ينبغي الوثوق به ثقة مفرطة؛ لأنه يحجب الحقائق المطلقة التي يجب أن نفكر فيها، وعليه فـ "استراتيجية النَّصّ تقوم على جملة من الألاعيب والإجراءات يمارس الخطاب من خلالها آلياته في الحجب والتبديل والنسخ. والنَّصّوص سواء في ذلك"، وعليه يقتضي المنهج التفكيكي أن يقوم "التعامل مع النَّصّ على كشف المحجوب" ([86] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftn86)). أي مساءلة حقيقة النَّصّ ومصدره حتى لا يحجب ما يجب أن يكون محل مساءلة ونقد، وهذا اتهام بأن الخطاب النبوي خطاب "ديماغوجي" أو "دوغمائي" ([87] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftn87)) يسعى لحجب الحقائق وصرف الناس عن قضايا تتعلق بحجية السُّنَّة.

وهذه عبثية في التحليل ينزّه البشر أنفسهم عنها، فضلاً عن نتزيه الشريعة عنها؛ لأنها تناقض أهم أسباب ورودها، وهي الهداية والرشاد، وهذا عند العقلانيين والمناطقة أمر محال، فلا يجوز لأي خطاب ديني أو غيره أن يناقض وجوده ويهدم نفسه لا من بعيد أو قريب، فكيف تكون السنة خطاباً غير مفهوم، أو أن ظواهره مخالفة لبواطنه؟!، هذا منافٍ للعقل.

ولو سلمنا بذلك لاعتبرنا –أيضاً- أن كلام الحداثيين أنفسهم هو كلام "دوغمائي"، ما المانع؟، وعند ذلك يكون بواطن نقدهم لأحاديث الصحيح تخالف ظواهره، وهو أمر يهدم ما يسعون إليه من غرائب نتاجات فكرهم.

المبحث الرابع: أسباب تقصّد أحاديث الصحيحين أكثر من غيرهما:

لم يكن موقف الحداثيين من الصحيحين في معزل عن النصوص الشرعية، والتراث اللغوي، وإنما كان ذلك ضمن منظومة واحدة تعاملت مع النصوص الموروثة على حد سواء، وكان ذلك نتيجة التطور الحضاري الهائل الذي حدث في الغرب، وكان من شبه الطبيعي أن يتوق أصحاب القرار إلى اللحاق بركب الغرب ومواكبة منجزاته، إلاَّ أن الذي لم يكن طبيعياً أن يحصل هذا التحديث على حساب المقومات الأساسية والعقائدية للأمة الإسلامية؛ فبدأت مشاريع التحديث على مستوى جميع الصُّعُد، وبات راسخاً في أذهان بعض المفكرين والمنظرين أنَّ نقطة البداية في مشروع الحداثة المنشود هو النظر من جديد في النُّصّوص المُقدَّسة التي تمارس سلطتها منذ العصر النبوي إلى الآن.

إلا أن هنا ما يثير التساؤل: لماذا أحاديث الصحيحين دائماً؟!.

بالرغم من أنالأحاديث التي يطنطنون بها لم ينفرد بها البخاري أو مسلم، وإنما هي موجودة في موطأ مالك ومسند أحمد قبلالبخاري، وهي في كتب التفسير والمعاجم والسنن التي ظهرت بعد البخاري كابن كثير وغيره.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير