وقال ابن قدامة: (وحكى غيرهما عن ابن علية والأصم أنهما قالا: ديتها كدية الرجل لقوله عليه السلام: "في النفس المؤمنة مائة من الإبل". وهذا قول شاذ يخالف إجماع الصحابة وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فإن في كتاب عمرو بن حزم: "دية المرأة على النصف من دية الرجل." وهي أخص مما ذكروه وهما في كتاب واحد، فيكون ما ذكرنا مفسرًا لما ذكروه مخصصا له). أهـ. والأصم وابن علية معتزليان لا عبرة بخلافهما، ونقل القرطبي عن ابن عبد البر قوله: "إنما صارت ديتها -والله أعلم- على النصف من دية الرجل من أجل أن لها نصف ميراث الرجل، وشهادة امرأتين بشهادة رجل، وهذا إنما هو في دية الخطأ. وأما العمد ففيه القصاص بين الرجال والنساء لقوله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ علَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَىبِالأُنثَى) [البقرة:178] أهـ
قال ابن الملقن في البدر المنير [8/ 486]:
الْأَثر السَّابِع إِلَى الثَّالِث عشر: عَن عمر وَعُثْمَان وَعلي والعبادلة - ابْن مَسْعُود وَابْن عمر وَابْن عَبَّاس - «دِيَة الْمَرْأَة عَلَى النّصْف من دِيَة الرجل» قَالَ الْأَصْحَاب: قد اشْتهر ذَلِك وَلم يخالفوا فَصَارَ إِجْمَاعًا.
أما الْأَثر عَن عمر وعليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما: فَرَوَاهُ الشَّافِعِي عَن مُحَمَّد بن الْحسن، أبنا مُحَمَّد بن أبان، عَن حَمَّاد، عَن إِبْرَاهِيم، عَن عمر وَعلي أَنَّهُمَا قَالَا: «عقل الْمَرْأَة عَلَى النّصْف من دِيَة (عقل) الرجل». وَهَذَا مُنْقَطع كَمَا ترَاهُ، وَرَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور، عَن هشيم، أَخْبرنِي مُغيرَة، عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: «كَانَ فِيمَا جَاءَ بِهِ عُرْوَة الْبَارِقي إِلَى شُرَيْح من عِنْد عمر، أَن الْأَصَابِع سَوَاء الْخِنْصر والإبهام، وَأَن جراح الرِّجَال وَالنِّسَاء سَوَاء فِي السن (و) الْمُوَضّحَة، وَمَا خلا ذَلِك فعلَى النّصْف، وَأَن فِي عين الدَّابَّة ربع ثمنهَا، وَإِن أقل (الْأَحْوَال) أَن يصدق عَلَيْهَا عِنْد مَوته (وَلَده إِذا أقرّ بِهِ) قَالَ مُغيرَة: ونسيت الْخَامِسَة حَتَّى ذَكرنِي عُبَيْدَة أَن الرجل إِذا طلق امْرَأَته ثَلَاثًا ورثته مَا دَامَت فِي الْعدة» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث سُفْيَان، عَن جَابر، عَن الشّعبِيّ، عَن شُرَيْح قَالَ: «كتب إِلَى عمر (بِخمْس) من صوافي الْأُمَرَاء: أَن الْأَسْنَان سَوَاء، والأصابع سَوَاء، وَفِي عين الدَّابَّة ربع ثمنهَا، وَأَن الرجل يسْأَل عِنْد مَوته عَن وَلَده فَأَصدق مَا يكون عِنْد مَوته، وجراحات الرِّجَال وَالنِّسَاء (سَوَاء) إِلَى (الثُّلُث)» وَجَابِر ضَعِيف. وَرَوَى الشَّافِعِي أثر عَلّي: عَن مُحَمَّد بن الْحسن، أبنا أَبُو حنيفَة، عَن حَمَّاد، عَن إِبْرَاهِيم، عَن عَلّي أَنه قَالَ: «عقل الْمَرْأَة عَلَى النّصْف من عقل الرجل فِي النَّفس وَمَا دونهَا». وَرَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور أَيْضا عَن هشيم، عَن الشَّيْبَانِيّ، وَابْن أبي لَيْلَى وزَكَرِيا، عَن الشّعبِيّ أَن عليا كَانَ يَقُول: «جراحات النِّسَاء عَلَى النّصْف من دِيَة الرجل فِيمَا قل وَكثر» وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الْمَقْدِسِي: لَا نعلم (ثُبُوته عَن عَلّي).
قلت: وَله (طَرِيق) آخر، عَن عَلّي ستعرفها بعد.
وَأما أثر عُثْمَان: فَغَرِيب لَا يحضرني من خرجه عَنهُ.
وَأما أثر ابْن مَسْعُود: فَرَوَاهُ أَبُو الْقَاسِم الْبَغَوِيّ: نَا عَلّي بن الْجَعْد، أبنا شُعْبَة عَن الحكم، عَن الشّعبِيّ، عَن زيد بن ثَابت أَنه قَالَ: «جراحات الرِّجَال وَالنِّسَاء سَوَاء إِلَى (الثُّلُث) فَمَا زَاد فعلَى النّصْف» وَقَالَ ابْن مَسْعُود: «إِلَّا السن والموضحة فَإِنَّهُمَا سَوَاء، وَمَا زَاد فعلَى النّصْف» وَقَالَ عَلّي بن أبي طَالب: «عَلَى النّصْف فِي كل شَيْء» قَالَ: وَكَانَ قَول عَلّي أعجبها إِلَى الشّعبِيّ (وَرَوَى) أَيْضا من حَدِيث إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ، عَن زيد بن ثَابت، وَابْن مَسْعُود، وَمن حَدِيث سُفْيَان، عَن ابْن مَسْعُود.
وَأما أثر ابْن عمر: فَغَرِيب وَكَذَا أثر ابْن عَبَّاس.
ثمَّ إِن تَفْسِير الرَّافِعِيّ (العبادلة) بِثَلَاثَة: ابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَابْن مَسْعُود، تبع فِيهِ الزَّمَخْشَرِيّ فَإِنَّهُ (ذكره) كَذَلِك فِي «مفصلة» فِي الْكَلَام عَلَى علم العلمية، وَهُوَ غَرِيب من وَجْهَيْن:
أَحدهمَا: عده لَهُم بِثَلَاثَة، وَالْمَعْرُوف أَنهم أَرْبَعَة صحابة أَوْلَاد صحابة.
ثَانِيهمَا: عده ابْن مَسْعُود مِنْهُم، وَقد نَص الإِمَام أَحْمد (بن حَنْبَل) عَلَى أَنه لَيْسَ مِنْهُم والعبادلة عبد الله بن عمر وَعبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ وَعبد الله بن عَبَّاس وَعبد الله بن الزبير، (هَكَذَا) ذكره أهل هَذَا الْفَنّ وَغَيرهم، وَفِي الصَّحَابَة من اسْمه عبد الله فَوق المئين لَكِن هَؤُلَاءِ اشتهروا بالعبادلة. يروي الْبَيْهَقِيّ عَن الإِمَام أَحْمد أَنه قيل لَهُ لما ذكر هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة (فَابْن) مَسْعُود؟ فَقَالَ: لَيْسَ هُوَ من العبادلة. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَسَببه أَن ابْن مَسْعُود تقدّمت وَفَاته وَهَؤُلَاء عاشوا حَتَّى احْتِيجَ إِلَى علمهمْ، فَإِذا اتَّفقُوا عَلَى شَيْء قيل هَذَا قَول العبادلة أَو فعلهم أَو مَذْهَبهم.
(تَنْبِيه): (وَقع فِي) مبهمات النَّوَوِيّ و «تَهْذِيب الْأَسْمَاء واللغات» فِي تَرْجَمَة ابْن الزبير أَن صَاحب «الصِّحَاح» أثبت ابْن مَسْعُود فيهم وَحذف ابْن [عَمْرو] ثمَّ شرع يعْتَرض عَلَيْهِ فَلَعَلَّهُ قلد فِي ذَلِك غَيره، فَإِن الَّذِي فِي نسخ «الصِّحَاح» إِثْبَات ابْن [عَمْرو] دون ابْن مَسْعُود، نعم حذف ابْن الزبير فَإِنَّهُ عدهم ثَلَاثَة فَتنبه لذَلِك.اهـ