الْخَطَّابِ , فَكَتَبَ إلَيْهِ: إنْ أَتَاكَ كِتَابِي هَذَا نَهَارًا , فَلَا تَنْتَظِرْ بِهِمْ إلَى اللَّيْلِ , وَإِنْ أَتَاكَ لَيْلًا , فَلَا تَنْتَظِرْ بِهِمْ نَهَارًا , حَتَّى تَبْعَثَ بِهِمْ
إلَيَّ , لِئَلَّا يَفْتِنُوا عِبَادَ اللَّهِ. فَبَعَثَ بِهِمْ إلَى عُمَرَ , فَشَاوَرَ فِيهِمْ النَّاسَ , فَقَالَ لِعَلِيٍّ: مَا تَرَى؟ فَقَالَ: أَرَى أَنَّهُمْ قَدْ شَرَّعُوا فِي
دِينِ اللَّهِ مَا لَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ فِيهِ , فَإِنْ زَعَمُوا أَنَّهَا حَلَالٌ , فَاقْتُلْهُمْ , فَقَدْ أَحَلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ , وَإِنْ زَعَمُوا أَنَّهَا حَرَامٌ , فَاجْلِدُوهُمْ
ثَمَانِينَ ثَمَانِينَ , فَقَدْ افْتَرَوْا عَلَى اللَّهِ. وَقَدْ أَخْبَرَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِحَدِّ مَا يَفْتَرِي بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ.: فَحَدَّهُمْ عُمَرُ ثَمَانِينَ ثَمَانِينَ
إذَا ثَبَتَ هَذَا , فَالْمُجْمَعُ عَلَى تَحْرِيمِهِ عَصِيرُ الْعِنَبِ , إذَا اشْتَدَّ وَقَذَفَ زَبَدَهُ , وَمَا عَدَاهُ مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْمُسْكِرَةِ , فَهُوَ مُحَرَّمٌ ,
...
المحلي بالآثار ج12 ص 253
. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ نا وَكِيعٌ نا إسْمَاعِيلُ
بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ , قَالَ: اسْتَشَارَهُمْ عُمَرُ فِي الْخَمْرِ؟ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: مَنْ افْتَرَى عَلَى الْقُرْآنِ أَرَى
أَنْ يُجْلَدَ ثَمَانِينَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نا الْحَجَّاجُ بْنُ
الْمِنْهَالِ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ جُحَادَةَ بْنِ دِثَارٍ أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَرِبُوا
الْخَمْرَ بِالشَّامِ وَأَنَّ يَزِيدَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ كَتَبَ فِيهِمْ إلَى عُمَرَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ - وَفِيهِ: أَنَّهُمْ احْتَجُّوا عَلَى عُمَرَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {
لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا} فَشَاوَرَ فِيهِمْ
النَّاسَ , فَقَالَ لِعَلِيٍّ: مَاذَا تَرَى؟ فَقَالَ: أَرَى أَنَّهُمْ قَدْ شَرَعُوا فِي دِينِ اللَّهِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ , فَإِنْ زَعَمُوا أَنَّهَا حَلَالٌ فَاقْتُلْهُمْ , فَإِنَّهُمْ
قَدْ أَحَلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى , وَإِنْ زَعَمُوا أَنَّهَا حَرَامٌ فَاجْلِدْهُمْ ثَمَانِينَ ثَمَانِينَ , فَقَدْ افْتَرَوْا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ , وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى
بِحَدِّ مَا يَفْتَرِي بِهِ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ؟
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ رحمه الله: هُمْ يُعَظِّمُونَ - يَعْنِي الْحَنَفِيِّينَ , وَالْمَالِكِيِّينَ - قَوْلَ الصَّاحِبِ وَحُكْمِهِ إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ وَأَهْوَاءَهُمْ ,
وَهُمْ هَاهُنَا قَدْ خَالَفُوا الصَّحَابَةَ - رضي الله عنهم - فَلَا يَرَوْنَ عَلَى مَنْ فَضَّلَ عُمَرَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ حَدَّ الْفِرْيَةِ , وَلَا عَلَى مَنْ فَضَّلَ
عَلِيًّا عَلَيْهِمَا حَدَّ الْفِرْيَةِ , وَلَا يَرَوْنَ عَلَى مَنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى الْقُرْآنِ , حَدَّ الْفِرْيَةِ , لَكِنْ يَرَوْنَ الْقَتْلَ إنْ بَدَّلَ الدِّينَ ,
أَوْ لَا شَيْءَ إنْ كَانَ مُتَأَوِّلًا. هَذَا , وَهُمْ يَحْتَجُّونَ بِقَوْلِ عَلِيٍّ , وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ , فِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ فِي إثْبَاتِ ثَمَانِينَ فِي حَدِّ الْخَمْرِ ,
نَعَمْ , وَفِي إثْبَاتِ الْقِيَاسِ؟ وَقَدْ خَالَفُوهُمَا فِي إيجَابِ حَدِّ الْفِرْيَةِ عَلَى مَنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا. فَلَئِنْ كَانَ قَوْلُ عَلِيٍّ ,
وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ , حُجَّةً فِي إيجَابِ حَدِّ الْخَمْرِ , وَفِي الْقِيَاسِ , فَإِنَّهُ حُجَّةٌ فِي إيجَابِ حَدِّ الْفِرْيَةِ عَلَى مَنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ تَعَالَى كَذِبًا وَعَلَى الْقُرْآنِ.
وَلَئِنْ كَانَ قَوْلُهُمَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي إيجَابِ حَدِّ الْفِرْيَةِ عَلَى مَنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ تَعَالَى , وَعَلَى الْقُرْآنِ , فَمَا قَوْلُهُمَا حُجَّةً
فِي إيجَابِ الْقِيَاسِ , وَلَا فِي إيجَابِ ثَمَانِينَ فِي الْخَمْرِ وَلَا فَرْقَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَهَذَا يُلِيحُ لِمَنْ أَنْصَفَ نَفْسَهُ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ فِرْيَةٍ يَجِبُ فِيهَا الْحَدُّ , فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَا حَدَّ إلَّا فِي الْفِرْيَةِ بِالزِّنَا , لِصِحَّةِ النَّصِّ ,
وَالْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
¥