وقوله –تعالى-: "وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ" [الزخرف: من الآية61]، لقد كانت الآيات قبل هذه الآية تتحدث عن عيسى -عليه السلام-، فالضمير في هذه الآية يعود إليه -عليه السلام-. والمعنى: إن عيسى -عليه السلام- شرط وعلامة من علامات الساعة التي تعلم بها، فسمي الشرط علماً لحصول العلم به. وقوله –تعالى-: "وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً" [آل عمران: 46]. ووجه دلالة هذه الآية على نزول عيسى -عليه السلام- أن الله –تعالى- عدد بعض خصائص عيسى -عليه السلام- ودلائل نبوته، فكان منها كلامه في المهد وهو رضيع، وكلام الرضيع من الخوارق الدالة على النبوة ولا شك. فما هو وجه ذكر كلامه وهو كهل، والكهولة سن بداية ظهور الشيب، والأصحاء كلهم يتكلمون في هذا السن؟! إن ذكر الكلام في سن الكهولة في سياق ذكر خصائص عيسى -عليه السلام-، والخوارق التي تدل على نبوته فيه إشارة واضحة إلى أن هذا الكلام سيكون في حالة تكون معها إحدى خصائصه أيضاً الدالة على نبوته، وهذه الحالة لم تقع فيما مضى من حياته التي كان فيها بين الناس، وذلك مما لا يخالف فيه اليهود والنصارى والمسلمون. فلم يبق إلا أن هذه الخصيصة ستتحقق فيما نستقبل من الزمان، وهذا يعني أن عيسى -عليه السلام- سيعود بين الناس، لتتحقق له هذه المعجزة، وهي كلامه كهلاً.
ومع هذه الآيات فهناك أحاديث صحيحة كثيرة في نزول عيسى -عليه السلام-، ومنها أحاديث أخرجها البخاري ومسلم في صحيحيهما، اللذين هما أصح الكتب بعد كتاب الله، وهي أحاديث تلقتها الأمة بالقبول، فهي مفيدة لليقين، حتى عند أهل البدع من أهل الكلام، الذين لا يحتجون بأخبار الآحاد في العقائد، بل لقد وصفت أحاديث نزول عيسى عليه السلام بالتواتر، ووصفها بذلك جمع كبير من أهل العلم، ومنهم:
(1) ابن جرير الطبري (ت310هـ) في تفسير (5/ 451) في تفسير الآية (55) من سورة آل عمران.
(2) وأبو الوليد ابن رشد المالكي (ت520هـ) في البيان والتحصيل (18/ 255).
(3) وعبد الحق بن عطية المالكي (ت541هـ) في تفسيره (308)، في تفسير الآية (55)، من سورة آل عمران.
(4) وابن كثير (ت774هـ)، في تفسيره (7/ 236)، في تفسير الآية (61) من سورة الزخرف.
(5) والشوكاني (ت1250هـ)، له كتاب: (التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح).
(6) والكتاني (1345هـ)، فقد ذكره في كتاب: نظم المتناثر من الحديث المتواتر (رقم 291).
(7) ومحمد أنور شاه الكشميري (ت1352هـ)، له كتاب: التصريح بما تواتر في نزول المسيح.
ولذلك فقد ذهب بعض أهل العلم إلى تكفير من أنكر نزول عيسى -عليه السلام-، مع علمه بالنصوص الواردة في ذلك، كما ذهب إليه العلامة محمود شكري الألوسي البغدادي (ت1342هـ)، في تفسيره (روح المعاني)، في تفسير الآية رقم (44) من سورة الأحزاب (22/ 34).
ولا شك أن التكفير له شروط، ولا يفقهها كل أحد. لكن هذا كله يدل على بعد إنكار نزول عيسى -عليه السلام- عن الصواب، وأن على قائل ذلك الرجوع إلى الحق، وأن لا يتكلم إلا بعلم، وأن يسلم لنصوص الوحيين: الكتاب والسنة.
هدى الله الجميع إلى مرضاته، وبلغنا أعالي جناته. والله أعلم والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
ـ[أبوبكر الكوردي]ــــــــ[31 - 08 - 06, 06:54 م]ـ
ما شاء الله وتبارك الله لمن وهبه الله علماً وفهماً.
جزاك الله خيرا اخي ابن المبارك والشيخ الفاضل د. الشريف حاتم بن عارف العوني
ـ[حسن باحكيم]ــــــــ[07 - 09 - 06, 09:30 م]ـ
جزاك الله خيرا
ـ[محمد الحارثي]ــــــــ[16 - 09 - 06, 11:49 م]ـ
جزى الله علامة الحجاز الشخ الشريف حاتم خيرا