تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أقول: وكان الشيخ يحثني على الذكر قائلًا: اجعل من وقتك للذكر والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرني أنه لما حج أتى ببعض السبح وعقدها بعضها في بعض حتى كان عددها يربو على الألف حصاة ثم كان يجلس يسبح عليها -ومذهب الشيخ: أن السبحة جائزة وليست ببدعة بأدلة كثيرة أذكر بعضها في الملحق بهذه الرسالة إن شاء الله تعالى- لقد صدقت نفسي فهذا هو حماد بن سلمة.

ليت الكواكب تدنو لي فأنظمها عقود مدح فما أرضي لكم كلمي

*أما عن أتباعه للسنة:

فحدث ولا حرج، أخبرني بعض أصدقائي قال: أتيت الشيخ ببرتقالة في رمضان ليفطر عليها، فقال: لا إلا على التمر، فقال لا أجد الآن هنا تمرًا، قال: إذًا أفطر في البيت على تمر لا أفطر على شيء سواه، قال: فالبرتقالة هدية يا شيخ فأخذها ولم يردها، وكنت أجالسه على الطعام كثيرًا فكان يقول: كلوا في إناء واحد واشربوا في إناء واحد فلقد رغب في ذلك النبي صلى الله عليه وسلم -يعني في الاجتماع على الأكل- ووضع بجواره الشاي الساخن فتركه فسئل في ذلك، فقال: لا أشرب الحار وذكر حديثًا، وَقَلَّ أن يسئلَ فيفتي بالرأي ليس إلا الحديث والأثر يعظم ذلك جدًا إذا أراد الخروج من المسجد قعد ليلبس النعل قاعدًا والناس يمرون عليه وهو في ذلك لا يتغير على وجاهته وهيبته فيجلس لأجل السنة وكان كثيرًا ما ينبه إذا دعاه أخ على الطعام أن يجعل الطعام على الأرض من أجل فعل النبي صلى الله عليه وسلم، أما هيئته فَسُنِّي مخضرم فالقميص قصير وما رأيته مسبلًا قط لا عمدًا ولا سهوًا مع أنه يذهب إلى كراهة الإسبال لغير الخيلاء -وهذا مذهب الجمهور- ومع ذلك لا يسبل، وقد أطال شعر رأسه تسننًا وكان يأمر به ولو قليلًا. إذا التفت التفت جميعًا وإذا مشي أسرع حتى أنه عرف بهذه السرعة بين الإخوة وإذا تكلم تكلم بالعربية المحكمة -قلت: وعربية الشيخ قوية جدًا، حسن المعاشرة من عرفه أحبه ولا يبغضه إلا حاسدُ أو ناقص كما سيظهر في الملحق بهذه الرسالة إذا سئل أجاب بكل ما يتعلق بهذا السؤال حتى صار جوابه حقًا جواب الحكيم لا يترك استفسارًا للسائل إلا أجاب عنه قبل أن يسأل حتى يقوم ريان من الأدلة والتفصيل وما ذلك إلا لفرط علمه وسعة إطلاعه ووفور ذكائه وسيلان ذهنه لا يمل من كثرة ترديد الإجابة وإعادتها وكلما سكت السائل كلما أعاد الشيخ الإجابة فلا يحوجه إلى قوله أعد أو لم أفقه حتى يشفى العي ويتعلم الجاهل وهو في ذلك قد أسهب وأطيب وأطال من غير إملال وما ذلك إلا لحسن قصده وتقواه واتصاله بالله ولا نزكيه على الله.

وكل يدعي وصلا بربي وربي لا يقر لهم بذاك

إذا اشتبكت دموع في عيون سيعرف من بكى ممن تباكي

* وأما عن تواضعه وحسن خلقه:

فلقد رأيته سهل الخلق لين الكنف تعتريه حدة هي من حسن خلقه لا سوئها، وهذا لا يفقهه إلا من أمعن النظر في تراجم السلف فسيعلم أن من مظاهر حسن خلق أبي بكر رضي الله عنه غضبه يوم الردة على عمر رضي الله عنه، وشدة عمر في الحق أيضًا من جميل أخلاقه وكذا سائر الصحابة والسلف، وهذا ابن تيمية رحمه الله تعالى كانت تعتريه حدة أهلك الله بها المبتدعة وجلى على يديه السنة، وكذا الإمام النووي رحمه الله حفظ الله به أموال الناس لفرط هذه الحدة في الله تعالى وهذا ضد لا يظهر حسنه إلا بضده إذا جمع معه كما قال القائل:

ضدان لما استجمعا حسنا والضد يظهر حسنه بالضد

فمن رأى الشيخ في حدته رآه أيضًا رقيق الشمائل نبيل الخصائل مستجمعًا لأكثر الفضائل، فَأُقْسِمُ بالله غير حانث: ما رأيت في مرتبته بمن يفعل مثل فعله في معاملة الناس وخفض الجناح لهم لا سيما القريبين منه، ومن ذلك: أنني رأيته بعيني يستمع من غلام صغير ما أتم الثالثة عشرة ومع ذلك فإنه يسأل والشيخ يجيب لا يحتقره ولا يبعده بل يقربه ويدنيه ويجيب عليه كأنه شيخُُ طاعن في السن لا طفل صغير، وسأله بعض الغلمان يومًا في مسألة تختص بالاعتكاف فأراد الشيخ أن يعرف المسجد الذي تدور حوله المسألة فأخذ الغلام وذهب معه إلى المسجد ثم أفتاه بعدما رآه وعاينه ثم رجع فركب وذهب إلى بيته وكان ذلك بعد عناء يوم طويل يعمل فيه في دكانه، وجلس إليه شاب يسأله فأخذ يضع يده على قدم الشيخ عند السؤال ويعلو صوته أحيانًا والشيخ إلى الأرض ينظر لم ينهه ولم يكترث بذلك فلما مضى ذَكَرَ ذلك للشيخ أحد طلابه مستنكرًا فعل

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير