ترجمة عماد الدين محمد بن يونس الفقيه فقال عنه: "رئيس الشافعية في الموصل"- مع أنه كان موسوسًا- فلينظر الطاعن إلى أسلافه كيف كانوا يفعلون؟ ثم يتعلم أن ينسج على منوالهم بدلًا من الطعن في الناس وهو محل طعن خصيب لمن أراد أن يجول فيه، فلا تقل ما تلام عليه، وقد قيل: "إياك ومما يعتذر منه"،ثم اعلم أيها الطاعن أن قولتك هذه إن لم تكن جرحا فهي غيبة أم هذه أيضا لا يعرفها أستاذ العقيدة!! أما إن كان المقصود بالوسوسة الاحتياط في العبادة فهذا أمر مستحب مندوب إليه في غير ما وسوسة، وهذا قد قرره النووي في المجموع، وكذا ابن حجر في الفتح وغيرهم، وانظر على سبيل المثال فعل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كما في صحيح البخاري لما أخبره أبو بكرة رضي الله عنه النهي عن كراء الأرض، وكان ابن عمر يكري على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك امتنع عن الكراء خشية أن يكون هناك نهي لم يبلغه، واعلم يا عبد الله أن الشيخ سيد من سادة المتواضعين، وقد اعترف الشيخ بنفسه في أكثر من موطن أن فيه شيئا من الوسوسة لكنها لا تضره في معتقد ولا عبادة ولا غيرها، وغاية ما فيها مع الشيخ أنها ربما كلفته شيء من المشقة زائد عن غيره ممن سلم منها، وكان يقول أيضًا: "لا يعرف الوسوسة إلا من به وسوسة" فانظر أيها المنصف إلى هذا الطاعن بغير علم ولا تأصيل وإلى هذا المتواضع الغامط لحظ نفسه واحسب كم بينهما من التفاوت.
فحسبكم هذا التفاوت بيننا وكل إناء بالذي فيه ينضح
وها أنا ذا أردد متوجعًا مع أبي الفإلي رثاءه حسرة على العلم والمتصدرين للتعليم من الطغام الصغار كما في أماليه:
تصدر للتدريس كل مهوس بليد تسمى بالفقيه المدرس
فحق لأهل العلم أن يتمثلوا ببيت قديم شاع في كل مجلس
لقد هزلت حتى بدا من هزالها كلاها وحتى سامها كل مفلس
قالوا عن الشيخ: ذمه الألباني بقوله: متكلف!
قلت: وهذه من أعجب ما سمعت وما بلغني أعجب منها، وقد مر معنا في الترجمة كيف احتفل الألباني رحمه الله تعالى بالشيخ وبكتابه بعبارة مفعمة بالتعظيم والاعتراف للشيخ بالعلم حتى أنه أحال على كتابه في خاتمتها كما رأيت، ومع ذلك فإنني مقر أنها لفظة الشيخ الألباني لكنني أنفي المعنى المستفاد منها شكلًا وموضوعًا حيث إن الشيخ قال: " .. وإن كان يصحبه أحيانًا شيء من التساهل .. ثم التكلف في التوفيق بينه وبين الأحاديث .. " فهذه العبارة إن دلت فإنما تدل على مدح لا ذم، لكن ذلك عند العقلاء الفاقهين فمن كانت عيوبه تعد فهو صاحب فضل كما قال القائل:
من ذا الذي ترجي سجاياه كلها كفى بالمرء نبلًا أن تعد معايبه
فمن ذا الذي ما ساء قط ومن له الحسنى فقط؟!!
وهذه العبارة لا تدل أصلًا على ما دلل عليه هذا الطاعن بقوله: ألم تر إلى الألباني قال عنه: متكلف!! وهذا كما أسلفت من العجب كخبط عشواء ركب متن عمياء؛ و ذلك لأمور:
أولًا: أنه مع الأسف قد كذب إن صح ذلك عنه، وقد سبقت الجملة معنا في الترجمة كاملة وها هنا قد سقت بعضها آنفًا، ولم يقل الألباني رحمه الله في الشيخ: هو متكلف، وهناك فرق شاسع بين وصف هذا الطاعن وبين ما دلت عليه عبارة الألباني كما هو واضح.
ثانيًا: قول الطاعن متكلف هكذا على الإطلاق تدليس حيث لم يقلها الشيخ بل قال: "يصحبه أحيانًا شيء من التساهل .. ثم التكلف" وهذه العبارة إن دلت فإنما تدل على شيء يسير جدًّا من التساهل يطرأ على الشيخ في مرات نادرة والنادر لا حكم له0 وبهذا يتبين أن قول الطاعن متكلف من أقبح التدليس.
ثالثًا: بمعرفة ما سبق يعلم أن هذا لا يطعن في الشيخ ولا يصفه من المتساهلين كما هو مقرر في علم المصطلح!! ومن ثم لم يقل الألباني رحمه الله: متساهل وإنما قال: "يصحبه أحيانًا"، فالأولى حكم مستقر والثانية وصف منفصل طاريء والبون بينهما شاسع يعرفه من كان له قلب!!
رابعًا: ينبغي أن يعلم أن هذه المقولة انفرد بها الألباني رحمه الله وهو وإن كان سيِّدًا في هذا المضمار إلا أن حكمه مع بساطته وقربه إلى المدح والتعديل منه إلى أبسط التجريح، إلا أنه ربما أخطأ فيه كما هو معلوم والله المستعان.
فأقول: أين هذا التقرير في هذا الطعن بلا مستند0
ولا أتمنى الشر والشر تاركي ولكن متى يطعن على الشيخ أركبه
قالوا عن الشيخ: يفقد فقه الواقع.
¥