تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إن ثبت هذا والذي قبله عُلِمَ أن الشيخ قد خرج من هذه أيضًا ولازال الناس يختلفون، ومن لم يعرف الخلاف لا يعرف الفقه ولا يفقه الدين؛ لأن الله تعالى فرق العلم بين الناس بنسب معلومة حسب ما قدره سبحانه وتعالى، فما نقص عند هذا كمل عند الآخر وبالعكس، وإن كان الكل لله فقيرًا وأنى له الكمال من خلق ظلومًا جهولًا (وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (النور:19)

وقل لمن يدعي في العلم شيئًا عرفت شيئًا وغابت عنك أشياء

ثم اعلم أن الخلاف المعتبر بين أهل العلم ليس بمذمة مطلقًا و إلا لما اختلف السلف، ولكنه تحقيق لمشكل وتوضيح لغامض وتبيين لمجمل وتخصيص لمخصوص وإظهار لفوائد الآيات والأحاديث، والاحتجاج بالآية والأحاديث في غير ما مجال مما يبين لغيرنا عظمة ديننا وكلام ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم وتحقيق أسلافنا رضي الله عنهم، وأيضًا من فوائده: تقليل الخلاف فيما بيننا لا سيما إذا كان الخلاف معتبرًا له وجه من النظر، ومن ثم يكون توسعة على الناس ومجلبة للود واتساع الأفق.

فساغ لي الشراب وكنت قبلًا أكاد أغص بالماء الفرات

قالوا عن الشيخ: لا يدعو إلى الله وشديد في بث العلم.

قلت: وقبل أن أدبج ردًّا على هذه، أتساءل هذا السؤال والذي كررته في هذه الرسالة وهو: هل أنت سلفي؟ فإن قلت: نعم فعلى ضوء قراءتك عن السلف، هل كانوا يرون أن من انشغل بالعبادة مع ما هو فيه من العلم الغزير، هل رأيتهم قالوا عنه: إنه مخطئ آثم؟!! فأجيبك قائلًا: لا والدليل هو ما ذكره الذهبي في (السير) في ترجمة علقمة صاحب ابن مسعود وأفضل طلابه: أنه قيل له هلَّا جلست في المسجد وتسأل وتقرىء، فقال: "لا أحب أن يطأ الناس عقبي ويقولون هذا علقمة".

قلت: مع أنه كان من أعلم الناس لا سيما بشيخه أبن مسعود رضي الله عنه، وفي ترجمة مُرَّة الهمداني قال الذهبي عنه: "كان يصلي ستمائة ركعة في اليوم والليلة"، وعلق الذهبي قائلًا: "فلم يتفرغ هذا السيد العابد لبث العلم وهل ثمرة العلم إلا العمل؟ " قلت: فهذا هو الذهبي أقر مُرَّةَ على ذلك، ومع هذا يقال: لقد دعوا أيضًا وآراؤهم مدونة في كتب الفقه وغيرها، إن علم ذلك علمت أن الدعوة فروع كثيرة وليست فرعًا واحدًا وهذا أصل ثان أقرره أيضًا والله الموفق للصواب.

أما قولك عن الشيخ: قليل الدعوة؛ فلعل فيما مضى رد على هذا القول وأزيدك فأقول: إن هذه العبارة مليئة بالأغاليط؛ ذلك لأنها إن دلت فإنما تدل على ضيق عطن وأفق من اتهم الشيخ بها من حيث فهمه لمعنى الدعوة إلى الله، فإن الله تعالى قد خلق الدعوة إليه في قلوب المسلمين جميعهم مؤمنهم ومنافقهم ومرائيهم؛ وذلك لأنه عزيز والانتساب إلى العزيز عز في نفس الأمر فيرنو لهذه المرتبة كل صادق وكاذب وما تولد منهما، والدليل على ذلك: حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار وفيه: " .. ويؤتى بقارئ القرآن فيقال له: ما فعلت فيه؟ فيقول: تعلمت القرآن فيك وعلمته فيك، فيقال: كذبت بل ليقال: قارئ وقد قيل .. ) رواه البخاري فتأمل جيدًا هذا الحديث ثم أردفه بهذا أيضًا: "يؤتى بعالم فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها كما يدور حمار برحى فيقال له: يا فلان مالك ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ قال: بلي كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه" رواه البخاري. قلت: فتأمل هاتين اللفظتين: (تأمرنا، وعلمته)، ففيهما دلالة على أن الرجل في كلا المثالين مُرَاءٍ ولا يعمل بما يقول ومع ذلك فإنه قد علم ودعا إلى الله تعالى ردحًا من الزمان كفل له أن يكون له طلبة يعرفونه واشتهر بينهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا بحمد الله واضح لكل ذي عينين، فإن قيل: فَلِمَ تركهم الله في بهاء بين الناس ومروءة ولم يفضحهم؟ يقال: لأن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر كما قال صلى الله عليه وسلم، وما أكثرهم!.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير