تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يمتاز الشيخ (المهدي البوعبدلي) عن غيره من شيوخ الطُّرُق .... () وذلك بِفضْل دراسته الزيتونية، ومرافقته ومصاحبته للحركة الطُّلابية هناك سنوات طويلة، في إطار (جمعية الطلبة الجزائريين)، وسمح له منصبه كـ: (مفتي) في (بجاية)، و (الشلف)، أنْ يُوسِّع ثقافته أكثر، ويُرَقِّيها بِواسطة اقتنائه لِكُتُب التراث، مِنْ مخطوطات ورسائل وكُتُب وتقارير، فقهية وأدبية وتشريعية وأصولية ولغوية وتاريخية.

وبعد استعادة الاستقلال الوطني عام 1962م، عُيِّنَ عضوًا في (المجلس الأعلى الإسلامي)، وانكبَّ على البحث والدِّراسة، وجمع الكُتُب والمخطوطات والرسائل والجرائد والمجلاَّت، مِنْ مختلف المظانّ، وتفرَّغ للبحث والدِّراسة والكتابة، وتحقيق الكتُب والمخطوطات، ومِنْ حظه في هذا الميدان، وحظِّ غيره [ومنهم مُحدِّثكم هذا]، احتضان الباحث والوزير المرحوم مولود قاسم نايت قاسم له، وظهور مجلَّتَيْ: (الأصالة) و (الثقافة)، التي كانت السبب والوسيلة لِنشر المقالات والدِّراسات المختلِفة، والمُتخصِّصة خلال عقدَي (السبعينات) و (الثمانينات)، وانتشار ظاهرة عقد الملتقيات الفكرية الإسلامية، وغير الإسلامية عبر أرجاء مختلف المُدُن الجزائرية، والتي ساعدت الباحثين على الكتابة والإبداع والإنتاج الفكري والعلمي والأدبي، والمعرفي بِصفة عامَّة.

4) كيفَ تعرَّفْنا على الشيخ المهدي البوعبدلي؟

وهنا لابدَّ من الإشارة إلى كيفية حصول التعارف بيننا وبين الشيخ (المهدي البوعبدلي)، ففي بداية عقد الستينات، بدأت تصِلُ إلينا أخبار نشاطاته الفكرية والثقافية، وكان أوَّلها محاضرته حول الأتراك العثمانيِّين، بِإحدى قاعات (سينيما) وهران، ولم نحضرها، وكانت القاعة هي (الإيسكوريال) في شارع الأمير عبد القادر، وشاهدناه لأول مرَّة في مقهى (الطايطون فيل) بالجزائر العاصمة، صحبة الباحثة والمفكِّرة المصرية القديرة الدكتورة (عائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ، التي صرَّحت آنذاك بأنها جاءت إلى الجزائر لِتَحُجَّ، وتُشاهِد بأمِّ عينها معجزات شهداء ومجاهدي (ثورة نوفمبر) [1954م ـ 1962م].

وبعد ذلك تعرَّفنا على بعضنا البعض، وتوثَّقَتْ الصِّلةُ بيننا خلال ملتقَيات الفكر الإسلامي، والملتقيات الوطنية الأخرى، التي كانت تُنَظَّم عبر ولايات الوطن، وقد حرص الأستاذ المرحوم مولود قاسم علينا أن نواصِلَ النشر في (مجلة الأصالة)، وكانت اهتمامات الشيخ المهدي منصبَّة على التاريخ والشعر الملحون أساسًا، تبعًا للتُّراث الذي جمعه في مكتبته الخاصَّة، ودرسه واطَّلَعَ عليه، وقد حكى لنا مِرارًا وتِكرارًا، كيف كان يجمع هذا التراث، وأنه كثيرًا ما يضطرُّ لبيع بعض حوائجه، وبعض القِطع الأرضية، لِيَشترِيَ بأثمانها المخطوطات والوثائق، وأنه عندما يُسافِر إلى (العاصمة) أو (قسنطينة) أو (بجاية) يتجوَّل في أحيائها العتيقة للبحث على هذه المخطوطات، وشراء ما يُمكِنُ شراؤه، وقد اشترى في (بجاية) مكتبة (باي قسنطينة) أحمد القلِّي، كما ذكرنا ذلك سابِقًا.

ولم يكتَفِ بهذا، فشرح لنا شخصِيًّا أسباب اهتمامه بالبحث الفكري والأدبي والثقافي بصفة عامَّة، وقال: «إنَّ شيوخ الزوايا في عهد الاستعمار الفرنسي، ليس لهم مجالٌ آخر غير تحفيظ القرآن الكريم، وتعليم العلوم العربية، والدينية واللغويَّة، ومُمارسة السُّلوك الصوفي، وبعد الاستقلال الوطني عام 1962م، تجاوز الزمن هذا الاتِّجاه، وأصبح التعليم في أيدي الدولة الوطنية، تتكفَّلُ به وترعاه وتُوَجِّهه، وصار الإقبال على الزوايا محدودًا جِدًّا، وصار الناس لا يقبلون على النهج الصوفي الذي تجاوزه الزمن»، ولذلك رأى مِنْ واجبه أنْ يتَّجِه للبحث والدِّراسة والتأليف في التاريخ والتُّراث، ولإلقاء المحاضرات، والمشاركة في النَّدوات والملتقيات، ولقد أحسن صُنْعًا (على أيِّ حال) بعلمه هذا، فأفاد نفسَه وأمَّتَه وتاريخ بِلاده، وتُراثها الفكري والحضاري بصِفةٍ عامة، وأثار اهتمام الباحثين في الشِّعر، وبِشُعراء الملحون، أمثال: (ابن خلُّوف)، و (ابن السويكت)، و (ابن خميس)، وبدولة (مغراوة)، وحقَّق ونشر كِتابيْن مُهمَّيْن عن تاريخ وهران عام 1978م، هما:

(أوَّلاً): دليل الحيران وأنيس السهران في أخبار مدينة وهران، للشيخ القاضي محمد بن يوسف الزيَّاني.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير