تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وفاة الشيخ عبد الحنان القاسمي المُظَفَّرْ بُوريّ ثم السِّيْتَا مَرْهَوِيّ رحمه اللّه

ـ[د. يحيى الغوثاني]ــــــــ[22 - 09 - 09, 03:29 م]ـ

الشيخ عبد الحنان القاسمي المُظَفَّرْ بُوريّ ثم السِّيْتَا مَرْهَوِيّ رحمه اللّه

1352 - 1430هـ = 1934 – 2009م

كتب محرر مجلة الداعي الهندية:

في نحو الساعة الثانية من ظهر يوم الأربعاء: 17/ جمادى الأولى 1430هـ الموافق 13/ مايو 2009م كنتُ طريحًا على فراشي أقاسي آلام نوبة شديدة من الحمّى التي أصابتني بها حالةُ انتقاض الجرح في كعب رجلي اليمنى، من جرّاء داء السكري الذي أعانيه منذ أكثر من عقدين، إذ رَنَّ جرسُ جَوَّالي، وضغطتُ على زِرّ التلقّي فإذا بعضُ المعارف ينعى إليَّ فضيلةَ الشيخ عبد الحنان القاسميّ – أحد العلماء الخطباء النشيطين المعروفين – ويقول لي: إنّه قد توفّاه الله في الساعة الواحدة والعشرين دقيقة من ظهر اليوم. ثم هاتفني عدد من الأشخاص من داخل الهند وخارجها، بعضُهم يخبرني بالحادث، وبعضهم يتأكّد من صحّة وقوعه، مما جعلني أتأكّد أن النعي قد انتشر في أرجاء الهند وتجاوزها إلى البلاد الأخرى. فإنا لله وإنا إليه راجعون.

أَسِفْتُ على وفاته رحمه الله كثيرًا، وكان ذلك شيئًا طبيعيًّا؛ ولكنها لم تكن مُفَاجِئَةً بالنسبة إليّ، وبالنسبة إلى كثير من الذين كانوا يعلمون معاناتَه من الأمراض الكثيرة المُزْمِنة التي أَدَّتْ إليها العوارض الناتجة من داء السكّري، التي شلّت حركتَه منذ أعوام، حتى أقعدته أخيرًا، بحيث كان لايقدر على قضاء حوائجه البشريّة بنفسه.

في منتصف مارس 2009م (ربيع الأوّل 1430هـ) كنتُ في رحلة إلى وطني. وكنتُ قد عزمتُ عندما غادرتُ ديوبندَ أني سأعوده رحمه الله في بيته الكائن بقرية "بالاساتهـ" إحدى القرى الواقعة في مديرية "سيتامرهي" التي كانت قبل سنوات مضت جُزْءًا من مديريّة "مُظَفَّرْبور" بولاية "بيهار" بالهند. بعد يومين فقط من نزولي بوطني استأجرتُ سيَّارةً وقصدتُ قريةَ الفقيد رحمه الله ومعي ابني الأوسط "عمارة نور" وعددٌ من أهالي قريتي، ووصلتُ توًّا بيتَ الشيخ، وخَرَجَ بعضُ إخوته واسمه السيّد عبد السلام بصوت السيَّارة، ودخل بيتَه بعد ما سلّم عليّ وعلى رفقتى، ثم طلع وأشار علينا أن ادخلوا، وصَاحَبَنا إلى السرير الذي كان الشيخُ – رحمه الله – طريحًا عليه في الرواق الغربيّ من بيته الكبير الذي بدا لي مدرسةً مستقلةً بكثرة غُرَفه وسَعَة فنائه.

سَلَّمْتُ على الفقيد – رحمه الله – ففَتَحَ عينيه ولكنّه لم ينبس ببنت شَفَة، وإنّما ظلّ يرنو إليّ وإلى رفاقي. وقد صاح الأخ عبد السلام في أذنيه: إنه الشيخ نور عالم خليل الأميني الرائبوري ثم البيشويّ أستاذ بدارالعلوم/ ديوبند، جاء يعودكم، ألا تعرفونه. وكَرَّر المقالة على أذنيه؛ ولكنه ظلّ صامتًا، فقال لي الأخ عبد السلام: إنه منذ يوم كان ينطق؛ ولكنه اليوم عاد لايقدر على التكلّم مُطْلَقًا؛ ولكنّه لايزال يسمع ولله الحمد. وأفادوني أنّه قد عَمَّ الفالجُ جسمَه كلَّه إلاّ ربعَ الرأس الذي بقي سالمًا من الفالج، ومن ثم يقدر على السمع وفتح العينيين.

ظِلْتُ أنا – ورفاقي – جالسًا لديه نحو عشر دقائق، أُفَكِّر في قدرة الله وعجز الإنسان؛ فهذا الشيخ كان خطيبًا مُفَوَّهًا، يتكلم كلّ وقت، وكانت الكلمات تنساب على لسانه، وتتفجر من حنجرته، وتنثال على شفتيه، فلا يكاد يضبطها، وإنما يَدَعُها تنطلق بل تسيل؛ ولكنه اليوم صار لا يستطيع أن يُؤَدِّي لفظةً.

وكان كثيرَ الرحلات والجولات والزيارات، يصبح في مكان ويمسي في آخر، وبين الصباح والمساء يقطع مسافات شاسعة، لايريحه النزولُ، ولايُعْجِبه الإقامةُ، ولا يروقه التوقّفُ، وكأنه فُطِرَ على الترحّل والسير المتّصل؛ ولكنّه عاد اليوم لايتمكن حتى من بسط رجليه ويديه ولاقبضهما. إنّه الإنسان، ضعيفُ البنيان، يقوى ثم يضعف. ويولد ضعيفًا ليصير صبيًّا، ثم غلامًا فتيًّا، ثم رجلاً قويًّا، ثم كهلاً مائلاً إلى الضعف، ثم شيخًا ضعيفًا يحتاج إلى مساعدة الآخرين.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير