تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[شيء من منهج الدكتور مقتدى حسن الأزهري رئيس الجامعة السلفية ببنارس -رحمه الله- في التربية]

ـ[أبو مروان هاشم]ــــــــ[24 - 12 - 09, 11:03 ص]ـ

أنا لا أزال أذكر–إلى اليوم- أنه كان مستهل العام الدراسي لمدارس الهند، سنة 1992هـ، وقد وفدت إلى مدينة "بنارس" مع الطلاب الذين توافدوا إليها من أصقاع الهند للالتحاق بالجامعة السلفية، وكان قبول الطالب بها على أساس النجاح في الاختبار التحريري الذي كان يجب على كل طالب مريد للالتحاق بها اجتيازُه، وما كان الاختبار سهلاً، ولا سيما على من جاء من مدرسة لا تتبنى منهجها التعليمي، فكان الطلاب يعيشون في فترة ما بين الامتحان وخروج النتائج حالات نفسية معقدة تجر بعضهم إلى تصرف غير طبيعي، لا يقوم به رجل سوي العقل والرشد، بله طالب علم؛ فحدث ذلك العام أن النتائج لم تظهر لجميع الصفوف في يوم واحد، وإنما ظهرت في يوم لصف أو صفين، وفي اليوم التالي لصف أو صفين، مما زاد هستيريا الطلاب سوءا، فكلما علقت نتائج صفٍ على لوحة من لوحات الإعلانات، تكالب الطلاب عليها ليروا مصيرهم، حتى كسرها بعضهم، كما قام فريق منهم بتصرفات أخرى أضرت بمرافق الجامعة.

ولما انتهت إجراءات القبول والتسجيل، وقد قبل بها من كتب الله له القبول، واستلم السكن، واطمأن به المقام، جاء يوم الجمعة، وهي أول جمعة للعام الجديد للجامعة، قام الدكتور مقتدى حسن الأزهري –رحمه الله - خطيباً، وقد سبق أن سمعنا عنه، عن هيبته وحزمه كثيراً فتكلم كلاما ذا مغزى ومرمى بعيد، لم أفقه أكثره، بل لم يفقه أغلبنا منه شيئا، لأنه ما كان يرسل الكلام على عواهنه، إنما كان ينحته من عقله ويصقله بفكره صقلاً، فيأتي فوق عقولنا نحن الطلاب البسطاء، ثم لما قضينا في الجامعة سنة أو سنتين تعودنا أسلوبه وكلامه، بدأنا نفهم جله. والذي فهمته من خطبته تلك هو أنه عاتب الطلاب على سوء تصرفهم، وتلا فيه آية ذات دلالة قوية على الموقف، وعلى ما أراد بها من رسالة أو إنذار، وهي قوله تعالى: {يَأيُّها النَِّبيُّ قُلْ لأزْوَاجِك إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِيْنَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيْلاً. وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإنَّ اللهَ أعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيْماً} [الأحزاب: 28 – 29]، فقد فهم هذا الإنذار مَن فهمه، وارتدع المشاغبون فيما بعد عن شغبهم، وانتهى الغاوون عن غيهم، ومن كان يبطن شيئا من هذا القبيل، دفنه في مهده.

وهكذا كان يربي شيخنا – رحمه الله تعالى- أبناءه الطلاب، فكانت تربيته ذات أسلوب حضاري راقٍ، مستمدة من مفاهيم الشريعة، مستنيرة من مشكاة النبوة، ممزوجة بحزم يتطلب أحيانا قسوة على من يرحم به المربي، بعيدة عن المداهنة والنفاق، وعن العنجهية والشدة، فكان –رحمه الله – يتخذ أساليب متعددة لتربية الطلاب، أرى أنها ناجحة، تؤتي ثمارها المرجوة، إن أحسن المربي استخدامها.

كان شيخنا –رحمه الله تعالى - مثالا رائعا للجد والنشاط، فكان وقته كله معمورا بالقراءة والكتابة، وبما يصلح شأنه وشؤون أهله، ولا يضيع منه لحظة فيما لا يعود عليه بالنفع, وكان يحث أبناءه الطلاب في الفصول الدراسية وفي المجالس العامة والخطب على ملازمة الجد والاجتهاد في طلب العلم، وتوسيع أفق المعرفة والثقافة، واستغلال الوقت في النافع، فكان يحب من يتوسم فيه من الطلاب النباهة والجد والنشاط، ويقربه إليه ويشجعه على المضي فيه، وكان يفرح جداً إذا عرض عليه الطلاب خطة لبرنامج يقومون فيه بأنشطة علمية ثقافية، فيرحب بها، ويوجهها توجيها نافعا؛ فذات ليلة جلسنا معه بعد صلاة العشاء، واستشرناه في عمل برنامج يساعد الطلاب على تعلم اللغة العربية تحدثا وتحريراً، وعلى توسيع أفق الثقافة والمعرفة لديهم، فرحب بالفكرة، وفرح بها، لأنها صادفت هواه وهمومه، فدعاني في اليوم التالي إلى مكتبه، وأملى علي بعض التعليمات والضوابط التي تعين على إدارة البرنامج إدارة مثمرة، وعلى ضوء تلك التعليمات والضوابط تم – بحمد الله تعالى- إنشاء "لجنة الثقافة" كجناح ثقافي لـ"ندوة الطلبة"، وذلك سنة 1997م، واستفاد منها الطلاب كادرا بعد كادر.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير