عن منبت العشب نبغي منبت الكرم يقول أبو الطيب في بيتيه هذين: الركاب تخدي - تسرع - بنا، ومشافرها بيض، لأنها تمنع من المرعى لشدة السير، وفراسنها - الفرسن للبعير بمنزلة الحافر للدابة - خضر لأنها تمشي على نباتي الرغل والينم، ونحن نضربها عن المرعى كأن أفواهها معكومة - مشدودة - نريد منبت الكرم.
يقول غومث (1398هـ-1978م): تضمنت القصيدة التي أنشدها المتنبي في الكوفة عام 963م، ووصف فيها السرعة التي ترك بها مصر هارباً بيتاً رائعاً من الشعر:
تخدي الركاب بنا بيضا مشافرها
خضرا فراسنها في الرغل والينم يريد أن يقول: إنهم وقد أغذوا السير لم يتركوا الإبل ترعى، فجف اللغام على أشداقها، وابيضت مشافرها، بينما اخضرت خفافها لكثرة ما وطئت من النبت وهي تقطع الأودية والمروج .. إن هذا البيت يمكن أن يكون رمزاً لشعر المتنبي نفسه، لقد غذ الشاعر السير، عارم الرغبة، سريع الخطو، فاقد الصبر دائماً، فجاز كل مروج عالم الشعر، لم يقف عند عالم الدين، ولم يستطع الحب أن يمسك به، واستأنى قليلاً في دنيا الفخر الشعري، ليمضي محلقاً وراء مجد أداته السيف، مجد سرعان ما تلاشى بعد أن أغرقه في أشد ألوان التشاؤم كآبة. وهكذا وصل شعره بعد رحلة مريعة، مبيض المشافر مخضر الخفاف، بعد أن استباحت قدماه مندفعاً ألذ أعشاب البلاغة، والتفت بأحلى ما فيها.
وقال أبو الطيب أيضاً في القصيدة نفسها:
ما زلت أضحك إبلي كلّما نظرت
إلى من اختضبت أخفافها بدم
أسيرها بين أصنام أشاهدها
ولا أشاهد فيها عفة الصنم يقول أبو الطيب في بيتيه هذين: ما زلت أسافر على إبلي إلى من لا يستحق القصد إليه حتى اخضبت أخفافها بدم في المسير إليه، ولو كانت إبلي تضحك لضحكت إذا نظرت من قصدته، لقلة شأنه، وقد سيرت ناقتي بين أناس كالأصنام، مع أن الصنم أفضل وأعف منهم.
يقول غومث أيضاً: يحكي المتنبي - في هذه القصيدة - قصة رجوعه من مصر، يجر أذيال الخيبة، ومروره ببغداد مشيراً فيما يبدو إلى القوي الغارق في الملذات، المسرف في التأنق، الوزير المهلبي وحاشيته عندما يقول -أي البيتين السابقين- والحق أن كل ما نعرفه عن حياة المتنبي، وليس بالقليل، يؤكد صدقه فيما يقول، فهو لا يسكر، ولا نعرف عنه غراميات فاجرة، وأبعد من ذلك أن يكون قد عرف الشذوذ الجنسي وفي عصره شاع، وبين أناس من مستواه اشتهر، وحياته العاطفية تدور عادة في محيط خاص، وليس لها صدى في إنتاجه الأدبي، ويمكن أن يمر على ظهر راحلته أمام أصنام عصره الفاسدة، وهو ينطوي على أكبر احتقار لها.
...
المراجع:
غومث، إميليو غرسيه، 1398هـ-1978م.
(مع شعراء الأندلس والمتنبي) سير ودراسات. تعريب: الطاهر أحمد مكي. دار المعارف - القاهرة
ـ[محمد سعد]ــــــــ[25 - 07 - 2008, 08:43 م]ـ
أختي مبحرة في علم لا ينتهي
استكمالا للموضوع إذا تكرمت أن نضع صورة للأبل عند الشعراء:
ترنم الشعراء العرب في وصف الإبل ترنماً يدل على مدى ارتباطها
بحياتهم حيث لا تكاد تخلو قصائد الشعراء العرب من ذكر الإبل وذكرت
الإبل في معلقاتهم كمعلقة النابغة الذبياني وطرفة بن العبد والأعشى
وحسان بن ثابت الأنصاري وغيرهم من الشعراء:
قال طرفة بن العبد في معلقته:
وإنِّي لأمضي الهمَّ، عند احتضاره =بعوجاءَ مرقالٍ تروح وتغتدي
أمون كألواح الأران نصأتها=على لا حبٍ كأنه ظهر برجد
جمالية وجناء تردي كأنها=سفنجة تبرى لأزعر أربد
تباري عتاقاً ناجيات واتبعت =وظيفاً فوق مور معبد
تربعت القفين في الشول ترتعي=حدائق مولي الأسرة أغيد.
وقال امرؤ القيس في وصف ناقته وما تمتاز به من جودة اللحم والشحم:
ويوم عقرتُ للعذارى مطيتي=فيا عَجَباً من كورِها المُتَحَمَّلِ
فظلَّ العذارى يرتمينَ بلحمها=وشحمٍ كهداب الدمقس المفتل
وقد ورد ذكر الإبل في شعر حسان بن ثابت حيث قال:
وأني لمزجاء المطي على الوجى =وإني لتراك الفراش الممهد
وأعمل ذات اللوث حتى أردها=إذا حل عنها رحلها لم تقيد
أكلفها إذا تدلج الليل كله=تروح إلى باب ابن سلمى وتعتدي.
وقال عنترة:
وأرجع والنوق موقورة=وترقد أعين أهل الوداد
وقال أبو العلاء المعري:
كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ =والماء فوق ظهورها محمول.
وقال البحتري في ديوانه:
وإذا ما تنكرت لي بلاد =وخليل فإنني بالخيار
وخدان القلاص حولاً إذا قابلن =حولاً من أنجم الأسحار
يترقرقن كالسراب وقد خضن =غمارا من السراب الجاري
كالقس المعطفات بل الأسهم=مبرية بل الأوتار
ـ[عامر مشيش]ــــــــ[25 - 07 - 2008, 08:45 م]ـ
بارك الله فيك
تمشي الهيدبى وهي مشية فيها سرعة من مشي الإبل،
الْهَيَذْبَى
هي من مشية الخيل
يقول كل امرأة فدى كل فرس ثم قال:
وكل نجاة بجاوية=خنوف وما بي حسن المشى
ويقصد الناقة النجيبة السريعة فعطفها على الفرس.
ـ[بَحْرُ الرَّمَل]ــــــــ[25 - 07 - 2008, 09:04 م]ـ
رائع ..........
وأذكر أيضا من شعر المتنبي:
لولا العلى لم تجب ما أجوب بها =وجناء حرف ولا جرداء قيدود
¥