تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[هل المرأة وفية!!!]

ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[26 - 07 - 2008, 01:09 ص]ـ

هل المرأة وفية؟

تجول في خاطري قصتان: إنهما لتلوحان كما تتلوى أفعيان، كل واحدة منهما تحمل السم الزعاف. وقد ذكرت وأنا أفكر فيهما قول الجاحظ في أول كتاب "العصا": لا تلد الحية إلا حية. فقلت أي الحيتين ولدت الأخرى؟

أما السم الزعاف فسيرى القارئ مكنونه، وأما القصتان فإحداهما لأديب التهكم الفرنسي "فولتير"، والثانية للزعيمة الصينية زوجة شنغ كاي شيك ولئن كان فولتير حياً بيننا، فلا يعنيني ما سيكون من أمره مع السيدة الصينية هل كان يشكوها إلى محاكم الأدب أو يترك أمرها إلى أهل النقد. وإنما الذي يعنيني وينبغي أن لا يفوتني الاهتمام به أن كلتا القصتين تخلعان لباس الخيانة على المرأة وتدعيان أن لا وفاء عندها ما عاشت بين الرجال ...

ففي القصة الصينية يؤتى الشيخ الوقور "تشوانغ تشو" لباب الحكمة، ويوهب إتيان المعجزات ويزهد في مناصب الحكم وألقابه، فلما عرضت عليه الوزارة فرّ بزوجته يخبط في الوادي هائماً على وجهه، فراراً من هذه الوزارة التي رأى فيها ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، قانعاً بزوجته المخلصة الأمينة، التي كانت تهدهد نفسه بالحب والوفاء فمرّا في بعض الطرق بامرأة مجلببة بالحداد، مكبة على قبر رطب التراب، وبيدها مروحة تلوح بها فوقه، فسألها الحكيم الصيني عن سبب فعلتها، فقالت: إنها عاهدت زوجها على أن تبقى وفية له بعد موته حتى يجف تراب قبره، وقد جاءها خاطب قبل أن يجف هذا التراب، فأكبت على هذا الجدث تنشفه بالمروحة. فيجفل الحكيم من هذه المرأة وتسري في صدره ريبة بوفاء زوجته، وطالما ادعت له أنها وفية مخلصة.

وكان شيخنا أشفى على الفناء، فلما دمر عليه الموت اصطنعت زوجته الجزع والإشفاق، فأخذ عليها أن لا تتزوج بعده، وأن تدفنه في جانب مكتبه بداره، ولبست عليه الحداد فلم تدهن ولم تتزين، حتى وفد تلميذه من القرية النائية فاتخذ لها الأحابيل، ظاهرها الأسى وباطنها الهوى، ثم أغراها بالزواج فنقضت عهدها ونكثت وفاءها وغدت بالتلميذ متيمة مغرمة، وقد أرادها على أن تنقل الضريح إلى خربة خلف الدار وأن تعطيه المال، وتعترف له أنها لم تكن تعد زوجها حكيماً عليماً، وما كانت تواتيه حباً.

فعلت كل هذا راضية مطمئنة، فإذا أقبلت عليها البهجة بعد العرس بوغتت بنازلة فادحة تفري حشى عروسها الذي أخذ يستغيث طالباً إليها أن تعالجه بمخ رجل مات منذ قريب فإذا أكل المخ عاجله الشفاء، فتسارع المرأة إلى ضريح زوجها، وإنها لتهدمه وتفكه، وإذا بحكيم الصين يناديها من جوف القبر، فبهتت المرأة لهول الخيانة وروعة البغتة.

هذا مجمل القصة الصينية المخلوقة. وأما القصة الفرنسية فإن الحكيم البابلي زاديك وقد أصاب عينه العور في سبيل زوجته الأولى إذ كانت هذه الزوجة تكره أن تمد بصرها إلى سحنته فترى عواره، وبقيت تنازعه في أمرها حتى طلقها، وجعلته لا يركن بعدها لوفاء النساء، وما لبث أن تزوج بعدها امرأة كانت تظهر له من البر والوفاء ما لا حد لتصوره، فغدا بها يوماً على ضاحية فرأيا امرأة في لباس الحداد مكبة حيال قبر وهي تحفر مجرى لساقية، فسألاها الخبر، فقالت: إنها نذرت أن تبقى لزوجها وفية بعد وفاته مادامت الساقية تجري إلى جانب قبره، وقد جاءها خاطب يلح في زواجها ويستعجل، فقامت إلى الساقية تحول مجراها لتمضي بعيدة عن القبر، فيكون ذلك تحلة لها من نذر الوفاء.

فيوقر الشك في نفس الحكيم زاديك بزوجته الوفية، وتدور أيام فيدركه الوهن، ثم تنخذل قواه فإذا هو على سرير الموت، وامرأته أمامه باكية لاهفة، حالفة بأن تبقى على الوفاء له، فيموت قرير العين بعد أن وصاها بدفنه في بيته، ففعلت، وأقامت على قبره نادبة ناحبة، حتى أتاها صديق له كان يعرف سره ودخيلته، فاصطنع الوجوم لخطبها، وبذل لها الود والمواساة، ثم آل أمرها إلى الغرام فتعاهدا على الزواج.

وإن المرأة لفي ثوب عرسها، إذا بعروسها صديق الحكيم زاديك يصرخ من ألم في بطنه وهو مطروح أرضاً فتكب عليه فزعة مفدية، فيقول لها: لا يشفيني سوى أرنبة أنف لرجل مات منذ قريب، فتهب وبيدها سكين فتفتح عن زوجها المتوفى غطاء ضريحه، وإنها لتهم بجدع أنفه إذا به يمسك بيدها ويقول لها؛ لقد كنت يا زوجتي أعظم وفية!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير