تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[الإبل - الرمز- في شعر المتنبي]

ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[25 - 07 - 2008, 07:09 م]ـ

[الإبل - الرمز- في شعر المتنبي]

أ. د. عبدالرحمن بن سعود بن ناصر الهواوي

لقد ارتبطت الإبل العربية منذ مئات السنين بحياة الإنسان العربي وبيئته وتاريخه. فقد كان للعرب وخصوصاً عرب الجزيرة العربية السبق في استئناس الإبل دون غيرهم من الأمم الأخرى، حتى أصبحت الإبل مرتبطة ومتزامنة مع وجود العربي ذاته ....

... لذا فإن الإنسان العربي الأصيل، مثل بعيره العربي الأصيل، يمتلك كل منهما صفات ومميزات كثيرة مشتركة خاصة بهما.

وقد استخدم العرب الإبل في أغراض مختلفة، منها استخدامها في التنقل والترحال من مكان لآخر. وقد وصف شعراء وأدباء العرب الإبل في أشعارهم وأقوالهم وتطرقوا إلى أوصافها وعدوها وألوانها وأصولها وأنسابها ... إلخ. وقد تطرق شاعر العرب الأكبر أبو الطيب المتنبي إلى الإبل في شعره، وكان حصانه وبعيره هما المرافقان له في معظم أيام حياته، وقد استخدم ناقته في كل تنقلاته وهروبه من أعدائه وخصومه.

وأهم ما يهمنا هنا هو ما قاله عن إبله عندما هرب عليها هو ومن معه من مصر متجهاً عليها إلى العراق. ففي قصيدة يذكر بها خروجه - هروبه - من مصر قال:

أَلا كل ماشية الخيزلى

فدا كل ماشية الهيذبى

وكل نجاة بجاوية

خنوف وما بي حسن المشى

ولكنهن حبال الحياة

وكيد العداة وميط الأذى يقول في أبياته هذه: فدت كل امرأة تمشي الخيزلى وهي مشية فيها استرخاء، من مشية النساء، كل ناقة تمشي الهيدبى وهي مشية فيها سرعة من مشي الإبل، والسبب في هذا التفضيل عند المتنبي؛ لأن الناقة البجاوية - بجاوة قبيلة بربرية تنسب إليها النوق البجاويات - تنجي صاحبها من المهالك في سرعة عدوها، وخنوفها فيه - خنف البعير إذا سار فقلب خف يده إلى وحشيه - وهي- هذه النوق - توصل إلى الحياة، وتكيد الأعداء، وترفع الأذى.

وقال:

ضربت بها التيه ضرب القمار

إما لهذا وإما لذا

إذا فزعت قدمتها الجياد

وبيض السيوف وسمر القنا

فمرت بنخل وفي ركبها

عن العالمين وعنه غنى

وأمست تخيرنا بالنقاب

وادي المياه ووادي القرى

وقلنا لها أين أرض العراق

فقالت ونحن بتربان: ها بين أبو الطيب في أبياته هذه أنه سلك بهذه الناقة التيه -الأرض البعيدة التي يتاه فيها لبعدها، وهو هنا تيه بني إسرائيل سيناء -، إما للنجاة وإما للهلاك، وإذا فزعت وخافت هذه الناقة تقدمتها الخيل الجياد وفي أيدي فرسانها السيوف البيض والرماح السمر، وقد مرت هذه الإبل بماء نخل وفي ركبانها عن هذا الماء وعن كل من في الدنيا غنى لصبرهم وجلدهم؛ وعندما وصلت هذه الإبل إلى النقاب خيرتنا إما أن نسلك طريقاً إلى وادي القرى أو إلى وادي المياه؛ وعندما وصلت هذه النوق إلى تربان قلنا لها: أين أرض العراق؟ فقالت: ها هي أي أن تربان من أرض العراق .. (نود أن ننبه القارئ أن المتنبي ذكر في قصيدته هذه أماكن عديدة مر بها، وقد نال أمريكي في الخمسينات من القرن العشرين درجة الماجستير عندما عين وحدد هذه الأماكن في رسالته).

وفي قصيدة أخرى يذكر فيها أبو الطيب مسيره - هروبه - من مصر حيث قال:

لا أبغض العيس لكني وقيت بها

قلبي من الحزن أو جسمي من السقم

طردت من مصر أيديها بأرجلها

حتى مرقن بنا من جوش والعلم

تبري لهن نعام الدو مسرجة

تعارض الجدل المرخاة باللجم

في غلمة أخطروا أرواحهم ورضوا

بما لقين رضا الأيسار بالزلم يقول أبو الطيب في أبياته هذه: إن إتعاب العيس - الإبل البيض - في السفر لم يكن بغضاً لها مني، ولكن أسافر عليها لأقي قلبي من الحزن، وجسمي من المرض، ولما خرجت من مصر وأسرعت السير كانت العيس تعدو فكأن أرجلها تطرد أيديها وهي لسرعتها مرقت كالسهم بنا من جوش والعلم - وهما جبلان -، وكانت نعام الدو - الخيل - المسرحة تبرى - تعارض - الإبل من جانبها، ولعلو أعناق هذه الخيل وإشرافها تعارض أعناق الإبل؛ أي لجم الخيل تعارض جدل - أزمة - الإبل، وقد خرجت من مصر في غلمة حملوا أرواحهم على الخطر ورضوا بما يلاقون رضا الأيسار - وهم الذين ينحرون الجزور ويتقارعون عليها بالقداح في الجاهلية - بالزلم: السهم.

وقال:

تخدي الركاب بنا بيضا مشافرها

خضرا فراسنها في الرغل والينم

معكومة بسياط القوم نضربها

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير