غزلٌ معكوس
ـ[أنس بن عبد الله]ــــــــ[23 - 08 - 2008, 10:01 م]ـ
كلنا نعلم أن شعر الغزل هو أن يتغزل المحبوب بمحبوبته واصفاً محاسنها أو مخبراً عن مغامراته معها سواء كانت المغامرات حقيقة أم نسج خيال ....
لكنّ الشاعر الأموي المبدع عمر بن أبي ربيعة عكس الآية فجعل محبوبته هي التي تغزل به و تتباهى به أمام صويحباتها ....
لا أطيل عليكم و أترككم مع نماذج من ذلك:
حَدِّثْ حَديثَ فتاة ِ حَيٍّ مرّة ً=بالجزعِ بين أذاخرٍ وحراءِ
قَالَتْ لِجَارَتِها عِشاءً، إذْ رَأَتْ=نُزَهَ المَكَانِ وَغَيْبَة َ الأَعْدَاءِ
في رَوْضة ٍ يَمّمْنَهَا مَوْلِيَّة ٍ=مَيْثَاءَ رَابِيَة ٍ بُعَيْدَ سَماءِ
في ظِلِّ دَانِيَة ِ الغُصُونِ وَرِيقَة ٍ=نَبَتَتْ بأَبْطَحَ طَيِّبِ الثَّرياءِ
وكأنّ ريقتها صبيرُ غمامة ٍ=بردت على صحوٍ بعيدَ ضحاء:
ليتَ المغيري العشية َ أسعفتْ=دارٌ بهِ، لتقاربِ الأهواءْ
إذ غابَ عنا منْ نخافُ، وطاوعتْ=أرضٌ لنا بلذاذة ٍ وخلاء
قلتُ: اركبوا نزرِ التي زعمتْ لنا=أن لا نباليها كبيرَ بلاءِ
بينا كذلكَ، إذ عجاجة ُ موكبٍ،=رَفَعُوا ذَمِيلَ العِيسِ بِالصَّحْرَاءِ
قَالَتْ لِجَارَتِها کنْظري ها، مَنْ أُولَى=وتأملي منْ راكبُ الأدماء؟
قَالتْ أَبُو الخَطَّاب أَعْرِفُ زِيَّهُ=وَرَكُوبَهُ لا شَكَّ غَيْرَ خَفَاءِ
قَالَتْ وَهَلْ قَالَتْ نَعَمْ فَاسْتَبْشِري=ممن يحبُّ لقيه، بلقاء
قالت: لقد جاءتْ، إذاً، أمنيتي،=في غيرِ تكلفة ٍ وغيرِ عناء
مَا كُنْتُ أَرْجُو أَن يُلِمَّ بأَرْضِنَا=إلا تمنيهُ، كبيرَ رجاء
فإذا المنى قد قربتْ بلقائه،=وأجابَ في سرٍّ لنا وخلاء
لما تواقفنا وحييناهما،=رَدَّتْ تَحِيَّتَنا عَلَى کسْتِحْيَاءِ
قلنَ: انزلوا فتيمموا لمطيكمْ=غيباً تغيبهُ إلى الإماء
و قال أيضاً:
ولقد دخلتُ الحيّ يخشى أهله=،بَعْدَ الهُدُوءِ وَبَعْدَما سَقَطَ النَّدَى
فَوَجَدْتُ فيه حُرَّة ً قَدْ زُيِّنَتْ=بالحليِ تحسبهُ بها جمرَ الغضا
لما دخلتُ منحتُ طرفي غيرها=عَمْداً مَخَافَة أَنْ يُرَى رَيْعُ الهَوَى
كيما يقول محدثٌ لجليسهِ:=كذبوا عليها، والذي سمك العلى!
قَالَتْ لأَتْرَابٍ نَواعِمَ حَوْلَها=بِيضِ الوُجُوهِ خَرَائِدٍ مِثْلِ الدُّمَى:
بِك اللَّهِ رَبِّ مُحَمَّدٍ، حَدِّثْنَني=حقاً أما تعجبنّ من هذا الفتى
الداخلِ البيتَ الشديدَ حجابهُ،=في غير ميعادٍ، اما يخشى الردى؟
فَأَجَبْتُها إنَّ المُحِبَّ مُعوَّدٌ=بلقاءِ من يهوى، وإن خافَ العدى
فَنَعِمْتُ بالاً إذْ دَخَلْتُ عَلَيْهِمُ=وسقطتُ منها حيثُ جئتُ على هوى
بَيْضاءُ مِثْلُ الشَّمْسِ حِينَ طُلُوعِها=موسومة ٌ بالحسنِ، تعجبُ من رأى
و هو القائل:
لَبِسَ الظَّلامَ إلَيْكَ مُكْتَتِماً=خفراً لحاجة ِ آلفٍ صبِّ
لَمَعَتْ بِأَطْرَافِ البَنَانِ لَنَا=إنّا نُحاذِرُ أَعْيُنَ الرَّكْبِ
إرْجِعْ وَرَدِّدْ طَرْفَ تَابِعِنا=حتى يجددَ دارسُ الحبِّ
فَإذا شُخوصٌ كُنْتُ أَعْرِفُها=في المسك والأكباش والعصب
تَمْشي الضَّراءَ عَلى بَهِينَتِها=تَبْدو غَضَاضَتُها مِنَ الإتْبِ
قالت امامة ُ يومَ زورتها،=قولَ المؤاربِ غيرِ ذي عتبِ:
هذا الذي لجّ البعادُ به،=مَا كَانَ عَنْ رَأْيٍ وَلاَ لُبِّ
بَاعَ الصَّدِيق بِوُدِّ غَائِبَة ٍ=بالشامِ، في متمنعٍ صعبِ
لا تهلكيني في عذابكمُ،=فاللَّهُ يَعْلَمُ غَائِبُ القَلْبِ
ـ[أم أسامة]ــــــــ[23 - 08 - 2008, 10:25 م]ـ
فعلاً عمر بن ربيعة تميز بذلك ولديه نرجسية وأعتزاز بالذات، وهو ممن تميز بأسلوبه القصصي الشيق ...
بوركت
ـ[عامر مشيش]ــــــــ[24 - 08 - 2008, 12:44 ص]ـ
عافاك الله أنس بن عبد الله
نعم كما قالت الأخت الفاضلة الثلوج برع عمر بن أبي ربيعة بمثل هذا الشعر ومنه قوله:
قالت سكينة والدموع ذوارف=تجري على الخدين والجلباب
ليت المغيري الذي لم أجزه=فيما أطال تصبري وطلابي
كانت ترد لنا المنى أيامه=إذ لا ألام على هوى وتصابي
خُبِّرتُ ما قالت فبت كأنما=رمي الحشا بضرائب النشاب
ـ[أنس بن عبد الله]ــــــــ[24 - 08 - 2008, 11:59 م]ـ
بوركتم على مروركم العصر ......
و من روائعه:
قالت الكبرى: هل تعرفن الفتى؟ ... قالت الوسطى: نعم هذا عمر
قالت الصغرى - و قد تيّمتها- ... قد عرفناه و هل يخفى القمر؟