[القضية الفلسطينية في الشعر الجزائري]
ـ[سمية ع]ــــــــ[31 - 08 - 2008, 12:57 م]ـ
::::=
يعالج هذا البحث قضية فلسطين في الشعر الجزائري, ويؤكّد أنَّ الشعراء الجزائريين لم يكونوا معزولين عن قضايا أُمتهم العربية, بالرُّغم من الجدار الحديدي الذي ضربه حولهم الاستعمار الفرنسي الغاشم منذ الاحتلال سنة (1830 م) وحتى الاستقلال سنة (1962 م) لأنَّ صلة الشاعر الجزائري بالمشرق العربي وقضاياه ومشاغله صلة وطيدة وعريقة, وتأتي قضية فلسطين في المقدمة , بِحيث لا نغالي إذا قلنا إن النتاج الأدبي الجزائري, شعرا ونثرا, في القرن الماضي دار في معظمه حول ثلاثة محاور: الوطنية, والعروبة, والوحدة العربية , وفلسطين (1).
ولسنا في حاجة إلى أن نعدّدَ الروابط التي تربط بين فلسطين والجزائر منذ فجر التاريخ العربي حتى الآن, كما أنَّه لا حاجة بنا إلى أن نقارن بين واقع فلسطين بعد أن تآمر عليها الاستعمار والصهيونية العالمية, وبين الجزائر تحت الاحتلال الفرنسي البغيض, فكلاهما عرف الاستعمار الاستيطاني, وذاق الإرهاب بِشَتَّى صوره وأشكاله, وتعرّضَ لِمُحَاولات القضاء على مقوماته الأصلية من لغة ودين وتاريخ وحضارة, بل عرف أخطر من هذا, محاولة إلغاء كيانه ومحوه من الوجود, وهذا هو ما يفسر اهتمام الشعراء الجزائريين بنكبة فلسطين, وكان إحساسهم حادا عنيفا ضد الاستعمار والصهيونية والتسلط والغزو الأجنبي (2).
وقد رافق الشعر العربي الجزائري قضية فلسطين منذ ظهورها على المسرح العالمي في العشرينيات من القرن الماضي, وكان الشعراء يستغلون كل مناسبة لتأييدها, وتابعوها في جميع مراحلها وأطوارها المختلفة منذ إعلان " وعد بلفور" (3) سنة 1917 م, مرورًا بانتفاضات الشعب الفلسطيني في الثلاثينيات, ثم رفضه لقرار التقسيم, وقد وقف شعراء الجزائر إلى جانب فلسطين والعرب أثناء حرب 1948 م, ونكسة 1967 م, ثم تجاوبوا مع انتصارات الثوار الفلسطينيين, وأبطال المقاومة, وأطفال الحجارة بعد ذلك حتى اليوم.
لقد كتبَ شاعرٌ جزائريٌّ ناشِئٌ لم يذكر اسمه خوفا من رقابة الاستعمار الفرنسي البغيض المتصهين, قصيدة شعرية عن فلسطين في سنة 1930 م, حيث نشرها آنذاك بمجلة " الشهاب " الجزائرية التي كان يديرها العلامة الشيخ عبد الحميد بن باديس رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين, يصوّر فيها مشاعره النابضة نحو القدس وساكنيها, ويعبر فيها عن تعاطف الشعب الجزائري كله مع الشعب الفلسطيني الشقيق انطلاقا من إحساسه بخطر الاحتلال الصهيوني على قدس العروبة, يقول:
ناشَدْتُكَ اللهَ ياقُدْسَ العُروبَةِ لا تُقمْ حِسابًا, لِمَنْ قَدْ رَامَ تَمْوِيَها
فَمَا طُموحُ يَهُودِ الشَّرْقِ يَنْفَعُهُم وَلاَ يَنَالُونَ إلاَّ الْمَقْتَ تَشْوِيهَا
يا أُمّةَ الْقُدْسِ, لا يُحْزِنْكَ مَطْمَحُهُم فَإنَّ لِلْقُدْسِ رَبًّا, هُوَ يَحْمِيهَا
أمَّا الْجَزائِرُ, فَهي مِنْ مُصابِكُم في حَر ِنارِ الأسَى, تَشْكُو لِبَارِيهَا
آهٍ عَلَى أُمَّةِ الْقُدْسِ الَّتِي بَسَطَتْ لِلْجارِ إحْسَانَها, وأسأَلْ مُجِيِريهَا
آهٍ, عَلَى كَأْسِ ذُلٍّ, وَهيَ تَرْشُفُها وعَنْ صِغَارِ كآباتٍ تُقاسِيهَا (4)
وباستثناء الوزن المختل في بعض الأبيات, فإنَّ المقطَّعة تزخر بالمشاعر الفيّاضَةِ, والإيحاءات القومية النافذة (5).
وفي عام 1936 م قامت الثورة الفلسطينية, وكادت تقضي على النفوذ الأنجليزي والوجود الصهيوني؛ بدأت الثورة بإعلان الإضراب العام في جميع أنحاء فلسطين العربية تعبيرًا عن سخط الشعب الفلسطيني عن الانتداب البريطاني والدولة اليهودية المقترحة, وسرعان ما تحول الإضراب إلى ثورة علنية مسلحة, وتوافد المتطوعون من البلاد العربية المجاورة, واهتاج الرأي العام العربي في مختلف الأقطار العربية, وشعرت السلطات البريطانية بالخطر, فاستخدمت الدبابات والطائرات في قمع الثوار, وأخذت تنكل بالأحرار من أبناء فلسطين فأحس محمد العيد آل خليفة (6) " بالخطر على هذا الجزء من الوطن العربي وأدرك أنَّ يد بريطانيا وراء كل مؤامرة تعرضت لها فلسطين خفية مرة وعلنية أخرى, فكتب قصيدته (بني التايمز) التي يهاجم فيها الانجليز, ويتحسر على ما حلَّ بأولى القبلتين" (7) , يقول:
¥