القصائد المُنسرحات
ـ[محمد سعد]ــــــــ[10 - 08 - 2008, 10:43 ص]ـ
سمي البحر المنسرح فيما يقال، لانسراح عدَّة بحور
وتفعيلته المستعملة:
مستفعلن مفعولاتُ مُفْتَعلن =مستفعلن مفعولاتُ مُفْتَعلن
والأرجح أنه مجتث أضيفت إليه (مفتعلن) في آخر كل شطر منه.
[ b][center] لقد عزف المتأخرون عن المنسرح فلا تكاد ترى لهم فيه إلا ما يعد على الأصابع وربما كان سبب ذلك ضياع لحنه وإعراض أصحاب الغناء عنه واختلاف المدارس العروضية في تحديد أسبابه وأوتاده
فمن أصل 1298 شاعراً لم نعثر في الموسوعة على المنسرح إلا عند 307 شعراء، منهم 118 شاعراً ليس للواحد منهم سوى قصيدة واحدة من المنسرح، يأتي في مقدمتهم ابن الرومي وله 119 قصيدة ثم ابن نباتة وله 84 قصيدة ثم أبو نواس وله 75 قصيدة هي أجمل ما وصلنا من المنسرح.
وتاريخ المنسرح القديم يشهد له بالرقة والرشاقة، حيث جعله الشعراء مدخلهم إلى محاورة الحبيب عندما يكون الحديث حديث مفاكهة وظرف
قال عبد الكريم البسطي
ومنشد الشعر يغرينا بنغمته= إذا شدا بسريع أو بمنسرح
ومن أمثلة ذلك منسرح ابن المعز الفاطمي من قصيدة في زهاء ثمانين بيتاً وفيها قوله:
قالت وقد راعها البكاء دماً= ما باله قلت عاشق خبلُ
قالت ومن شفّه وتيَّمه= قلت التي عن غرامه تسلُ
قالت أمن نظرة يكون هوىً= هذا محب هواه مرتجلُ
ومنسرح الوأواء الدمشقي:
سألت من شفني هواه ومن= هاجرني مذ هويته النومُ
ومنسرح ابن نباتة:
وهبت قلبي له فقال عسى = نومك أيضاً فقلت من عيني
وقد اعتمده ابن الوردي في كثير من مفاكهاته فمن ذلك قوله
رامت وصالي فقلت لي شغلٌ =عن كل خود تريد تلقاني
قالت كأن الخدود كاسدة = قلت كثيراً لقلة القاني
ومن نوادر المنسرحات منسرحات الصنوبري وهو من المكثرين فيه، فمن ذلك قصيدة له
ما لي وللحمل للسكاكين = ذكري إذا ما ذكرت يغنيني
ومن المنسرحات الظريفة أنه دخل على الأديب إبن سعد بمجلسه بإشبيلية فتى وسيم الوجه به لثغ يردّ السين ثاءً، وكان إسمه عيسى،
فقال له الأستاذ: ما اسمك يا بنى ّ؟
فقال: عيثا.
فقال الشيخ:
وأغيد كالقضيب معطفه =يحكى لنا فى الكلام تخنيثا
سألته والسؤال يخجله =ما اسمك يا بدر قال عيثا
ومنها المنسرحات:
شكوت للحب منتهى حربي =وما ألاقيه من ضنى جسدي
قال تداوى بريقتي سحرا =فقلت يا بردها على كبدي
وممن أكثر من المنسرح من المتقدمين ابن قيس الرقيات وأبو نواس والخالديان وابن الرومي، وسعيد بن حميد، ولبعض المتأخرين إسهامات في المنسرح كالرافعي ومطران وأحمد رامي وعلي محمود طه والرصافي وطانيوس عبده
ونبدأ مع هذه القصيد المنسرحة:
حين اُسر أبو فراس كان في ذروة نجوميته، فشكّل الأسر منعطفاً خطيراً في حياته، إذ تعرّض خلاله لأسوء حالات الذل والهوان، مرةً لأنه وجد نفسه سجيناً رهيناً بين أيدي أعدائه اللدودين، مودعاً بذلك العز والنعيم والمجد والسلطان، واُخرى لأن سيف الدولة أهمله وماطل كثيراً في افتدائه، وهو الأثير لديه، لأن مساعي الوشاة من الحاقدين عليه قد نجحت في تحقيق أهدافها، وثالثةً فراقه المر لاُمه التي ماتت حسرة عليه، وكذا فراقه زوجته وأطفاله، وكانت كلها صدمات متوالية، خلقت منه ظاهرة إنسانية متفردة. وكانت رومياته نتاجاً وجدانياً لهذه الظاهرة، والتي يلخصها في هائيته الشهيرة:
يا حسرةً ما أكادُ أحملها= آخرها مزعجٌ، وأولها!
عليلةٌ، بالشآمِ مفردةٌ= بات، بأيدي العدى، معللها
تمسكُ أحشاءها، على حُرَقٍ= تطفئها، والهموم تشعلها
إذا اطمأنتْ، وأين؟ أو هدأتْ= عنّت لها ذكرةٌ تقلقلها
تسأل عنا الركبان، جاهدةً= بأدمعٍ ما تكاد تمهلها
يامن رأى لي، بحصن خرشنة =أسد شرى، في القيود أرجله
ا يامن رأي لي الدّروب شامخة= دُون لقاءِ الحبيبِ أطْولُها
يامن رأي لي القيود، موثقة =على حبيب الفؤاد أثقلها!
يا أيها الراكبان، هل لكما= في حمل نجوى يخف محملها
قولا لها، إن وعت مقالكما= وإن ذكري لها ليذهلها
يا أمتا، هذه منازلنا= نتركيها تارة، وننزلها!
يا أمتا، هذه مواردنا=نعلها تارة، وننهلها!
أسملنا قومنا إلى نوبٍ= أيسرها في القلوب أقتلها
واستبدلوا، بعدنا، رجال= وغىِّ يود أدنى علاي أمثلها
ليست تنال القيود من قدمي،= وفي اتباعي رضاك، أحملها
ياسيدا، ما تعد مكرمة،= إلا وفي راحتيه أكملها
أنت سماء، ونحن أنجمها،= أنت بلاد، ونحن أجبلها!
أنت سحاب ونحن وابله=أنت يمين ونحن أنملها
لا تتيمم، والماء تدركه! =غيرك يرضى الصغرى ويقبلها
إن بني العم لست تخلفهم،= إن عادت الأسد عاد أشبُلُها
بأي عذر رددت والهةً = عليك دون الورى معوَّلها
يا واسع الدار كيف توسعها= ونحن في ضخرة نزلزلها
ياناعم الثوب كيف تبدله؟ =ثيابنا الصوف مانُبدلها
إن كنت لم تبذل الفداء= لها فلم أزل في رضاك أبذلُها
تلك المودات كيف تهملها= تلك المواعيد كيف تغفلها
تلك العقود التي عقدت لنا = لناكيف وقد أحكمت تحللها
أين المعالي التي عُرفت = بهاتقولها دائما وتفعلُها
¥