[البارودي يرثي زوجته]
ـ[الوافية]ــــــــ[06 - 08 - 2008, 10:02 م]ـ
أيَدَ المنون! قدحت أي زناد=وأطرت أية شعلة بفؤادي
أوهنت عزمي وهو حملة فيلق=وحطمت عودي وهو رمح طراد
لم أدر هل خطب ألم بساحتي=فأناخ أم سهم أصاب سوادي؟
أقْذى العيون فأسبلت بمدامع=تجري على الخدين كالفرصاد
ما كنت أحسبني أراع لحادث=حتى منيت به فأوهن آدي.
أبلتني الحسرات حتى لم يكد=جسمي يلوح لأعين العواد
أستنجد الزفرات وهي لوافح=وأسفِّه العبرات وهي بوادي
لا لوعتي تدع الفؤاد ولا يدي=تقوى على رد الحبيب الغادي
يا دهر فيم فجعتني بحليلة=كانت خلاصة عدتي وعتادي؟
إن كنت لم ترحم ضناي لبعدها=أفلا رحمت من الأسى أولادي؟
أفردتهن فلم ينمن توجعا=قرحى العيون رواجف الأكباد.
ألقين در عقودهن وصغن من=در الدموع قلائد الأجياد
يبكين من وله فراق حفية=كانت لهن كثيرة الإسعاد
فخدودهن من الدموع ندية=وقلوبهن من الدموع صوادي
أسليلة القمرين أي فجيعة =حلت لفقدك بين هذا النادي
أعزز عليّ بأن أراك رهينة=في جوف أغبر قاتم الأسداد
أو أن تبيني عن قرارة منزل=كنت الضياء له بكل سواد
لو كان هذا الدهر يقبل فدية=بالنفس عنك لكنت أول فادي
أو كان يرهب صولة من فاتك=لفعلت فعل الحارث بن عباد
لكنها الأقدار ليس بناجع=فيها سوى التسليم والإخلاد
فبأي مقدرة أرد يد الأسى=عني وقد ملكت عنان رشادي
أفأستعين الصبر وهو قساوة=أم أصحب السلوان وهو تعادي؟
جزع الفتى سمة الوفاء وصبره=غدر يدل به على الأحقاد
ومن البلية أن يسام أخو الأسى=رعي التجلد وهو غير جماد
هيهات بعدك أن تقر جوانحي=أسفا لبعدك أو يلين مهادي
ولهي عليك مصاحب لمسيرتي=والدمع فيك ملازم لوسادي
فإذا انتبهتُ فأنت أول ذكرتي=وإذا أويت فأنت آخر زادي
أمسيت بعدك عبرة لذوي الأسى=في يوم كل صبيحة وحداد
متخشعا أمشي الضراء كأنني=أخشى الفجاءة من صيال أعادي
مابين حزن باطن أكل الحشا=بلهيب سورته وسقم بادي
ورد البريد بغير ما أملته=تعس البريد وشاه وجه الحادي
فسقطت مغشيا عليّ كأنما=نهشت صميم القلب حية وادي
ويْلُمِّه رزءا أطار نعيه=بالقلب شعلة مارج وقاد
قد أظلمت منه العيون كأنما=كحَل العيون جفونها بقتاد
عظمت مصيبته عليّ بقدر ما=عظمت لديّ شماتة الحساد
لاموا علي جزعي ولما يعلموا=أن الملامة لاترد قيادي
فلئن لبيد قضى بحول كامل=في الحزن فهو قضاء غير جواد
لبس الزمان على اختلاف صروفه=دولا وفل عرائك الآباد
كم بين عاديّ تملى عمره=حقبا وبين حديثة الميلاد
هذا قضى وطر الحياة وتلك لم=تبلغ شبيبة عمرها المعتاد
فعلام أتبع مايقول؟ وحكمه=لايستوي لتباين الأضداد
سر يانسيم فبلغ القبر الذي=بحمى الإمام تحيتي وودادي
أخبره أني بعده في معشر=يستجلبون صلاحهم بفسادي
طبعوا على حسد فأنت تراهم=مرضى القلوب أصحة الأجساد
ولوانهم علموا خبيئة ماطوى=لهم الردى لم يقدحوا بزناد
كل امرئ يوما ملاق ربه=والناس في الدنيا على ميعاد
وكفى بعادية الحوادث منذرا=للغافلين لواكتفوا بعوادي
فلينظر الإنسان نظرة عاقل=لمصارع الآباء والأجداد
عصف الزمان بهم فبدد شملهم=في الأرض بين تهائم ونجاد
دهر كأنا من جرائر سلمه=في حر يوم كريهة وجلاد
أفنى الجبابر من مقاول حمير=وأولي الزعامة من ثمود وعاد
ورمى قضاعة فاستباح ديارها=بالسخط من سابور ذي الأجناد
وأصاب عن عرض إياد فأصبحت=منكوسة الأعلام في سنداد
فسل المدائن فهي منجم عبرة=عما رأت من حاضر أو بادي
كرت عليها الحادثات فلم تدع=إلا بقايا أرسم وعماد
واعكف على الهرمين واسأل عنهما=بلهيب فهو خطيب ذاك الوادي
تنبئك ألسنة الصموت بما جرى=في الدهر من عدم ومن إيجاد
أمم خلت فاستعجمت أخبارها=حتى غدت مجهولة الإسناد
فعلام يخشى المرء صرعة يومه=أو ليس أن حياته لنفاد
تعس امرؤ نسي المعاد ومادرى=أن المنون إليه بالمرصاد
فاستهد يامحمود ربك والتمس=منه المعونة فهو نعم الهادي
واسأله مغفرة لمن حل الثرى=بالأمس فهو مجيب كل منادي
هي مهجة ودعت يوم زيالها=نفسي وعشت بحسرة وبعاد
تالله ما جفت دموعي بعدما=ذهب الردى بك يابنة الأمجاد
لاتحسبيني ملت عنك مع الهوى=هيهات ما ترْك الوفاء بعادي
قد كدت أقضي حسرة لو لم أكن=متوقعا لقياك يوم معادي
فعليك من قلبي التحية كلما=ناحت مطوقة على الأعواد
ـ[محمد سعد]ــــــــ[06 - 08 - 2008, 11:07 م]ـ
¥